هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

930: من ماتاهاري إلى بلاكبُري… حَوِّل

الحلقة 930: من ماتاهاري الى بلاكبُري… حَــوِّل
الأربعاء 11 آب 2010

بين أزمة البلاكْبُري وما يواكبُها هذه الأيام من حديث التجسُّس والجواسيس والعملاء الذين استغلُّوا جميع الوسائل لتنفيذ عمالتِهم وتَجسُّسِهم، بات هذا الموضوع حديثَ الناس اليوم في لبنان. وهو دارجٌ حتى في الدول الكبرى (منه ما حَدَثَ قبل أسابيع قليلة حين تبادلَت الولايات المتحدة وروسيا جواسيس اكتُشفوا لديهما).
وتُرافق عالَمَ الجاسوسية والعمالة عادةً إشاعاتٌ تطال أعلاماً وأشخاصاً وشخصياتٍ (منها الراقصة الألمانية ماتا هاري التي اتَّهمَتْها فرنسا بالتجسُّس لصالح ألمانيا ونفَّذَت فيها حُكْم الإعدام رمياً بالرصاص سنة 1917، وظهرَت عنها أفلام عدة). وإجمالاً يصعُب مَحوُ الإشاعات عمَّن هم فعلاً أبرياءُ من التهمة، إذ يكون الرأي العام تداوَلَها في الجلسات المغلقة والعلنية، وربّما تناولَتْها كذلك وسائلُ الإعلام.
بين الوسائط القديمة الحديثة في الجاسوسية: كتابةُ الشيفرة، المعروفة بـ”عِلْم السرّ” وهو فنٌّ قديم استخدمه يوليوس قيصر لاتصالاته السرية. ويشمل هذا الفنُّ الكتابةَ السريةَ (الشيفرة) وتفكيكَها وتحليلَها. وفي أحد مكتشفات العراق (قبل سنوات) كتابةٌ “مشفرة” لـفنّ صُنع الفخار بالآجُر (ترقى الى القرن السادس عشر ق.م.). ومنذ سبعينات القرن الماضي باتت كتابة الشيفرة عِلْماً امتدّ على وسائل الإعلام والاتصال (ومنه قنوات التلفزيون المشفّرة). ويعتمد هذا العِلْمُ على كلماتٍ معيَّنة ذاتِ مغازٍ معيَّنة في مواضع معيَّنة من الجملة، يعني سطحُها للعاديين معنى مباشراً واضحاً، فيما يعني سرُّها للضالعين بها من مفكِّكي الشيفرة معاني أخرى يتصرَّفون على ضوئها وينفِّذون عملياتٍ عسكريةً أو أمنيةً وفق تعليماتها المشفرة. واليوم، مع تطوُّر الإعلامياء (المعلوماتية) انتقلَتْ كتابةُ الشيفرة من فنٍّ الى عِلْمٍ ذي قواعدَ ونُظُمٍ وأُصول، يُمكن استخدامها في الميادين العسكرية والتجارية والإعلامية.
وكتابة الشيفرة امتدّت الى وسائطَ ووسائلَ مُختلفةً، حتى الشعر. فالقصيدة التي اختارتها تْشِلْسِي بِلّ كلنتون لتُقرأ في عرسها وهي في ظاهرها قصيدة حب، ليست في حقيقتها سوى شيفرة وضعها الكاتب المسرحي الإنكليزي ليو ماركس (1920-2001) وأعطاها للعميلة السرية ڤيوليت زابو (1921-1945) فاستخدمَتْها خلال الحرب العالمية الثانية في مهمَّة تَجَسُّس، وكان نصُّها في الأصل قصيدةً كتبها ليو ماركس لصديقته روث هامبرو التي قضت عند تحطم طائرة في كندا.
ولأن ليو ماركس كان “مفكِّك شيفرة”، استخدمه جهاز المخابرات السرية التابع لونستون تشرشل خلال الحرب العالمية الثانية مسؤولاً عن “العمليات السرية الخاصة” في ميدان الحرب. واشتهر من يومها بارعاً في كتابة الشيفرة وتفكيك رموزها، وساهم في فضح عمليات كثيرة كان الألمان يُضمِرون القيام بها ضدّ بلاده إنكلترا والحلفاء. وحين ترك عملَه في ذاك الجهاز المخابراتي وضَع كتاباً عن حياته وعلاقته مع العملاء والجواسيس و”شيفراتهم”.
غريبٌ وعميقٌ عالَم الجاسوسية والعمالة، ومفاجئٌ في ما يمكن أن يصدر عنه ومنه وفيه من مترتِّبات خطيرة يبلغ بعضُها حدّ الاغتيال وما ينجم عنه من تَحَوُّلٍ في مسار الدول.
وما نشهده في هذه الأَيام، يشير الى وضعٍ في لبنان على الشفير الـمُتَّحَـوِّل من… ماتاهاري الى بلاكْبُرِي … حَـوِّل.