هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

926: السلطة تمنع التدخين وأبناء السلطة يدخّنون

الحلقة 926: السلطة تمنع التدخين وأبناء السلطة يدخِّنون
(من تاڤيرنا- إيطاليا)
الأربعاء 28 تموز 2010

نَحترم جداً نيّة الوزير زياد بارود في وضع قانونٍ للسير صارمٍ، يَردعُ المخالفين، ويضع حَداً لتجاوزاتٍ مستفحلةٍ في الآونة الأخيرة. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده الوزير بارود لإطلاق الخطة الجديدة، كان لافتاً كلامُه النبيل حمايةً ودفاعاً عن عن رجال الشرطة الذين يقعون أحياناً مَكسرَ عصا لدى بعض النافذين أو أزلام النافذين أو محاسيب أزلام النافذين، يتمرجلون على الشرطي كأنه خادمُهم أو موظفٌ عند أسيادهم، فيما هؤلاء أنفسهم: النافذون وأزلامهم ومحاسيب أزلامهم يُرعِبُهم أيُّ شرطيِّ سيرٍ في أيِّ بلدٍ من العالم، بدءاً من الأقرب إلينا وصولاً الى أقصى أستراليا.
هذا أمرٌ معروف، ونتمنى أن يصبح لدينا قانونُ سيرٍ صارمٌ حاسمٌ حازمٌ على مستوى ما يطمح إليه الوزير بارود الآتي الى الحكْم بِمهنيّة عالية، وطوباويّة يتّضح يوماً بعد يوم أنه لن يتنازل عنها، مهما تنامى حوله الفساد، ومهما حاول محيطُه تيئيسَه، فلن ييأَسَ لأنه ليس من نادي سياسيين جيء بهم الى الحكْم، ومضطرون أن يوالوا ويسايروا حرصاً على وَلاءاتهم.
لكنّ ما يشهده المواطنون على الطرقات غيرُ هذا. فكيف يفسِّر المواطنون حرص وزارة الداخلية على تطبيق القانون بصرامةٍ وحزم، وهذا مطلبُ حق، وعلى حفْظ كرامة الشرطي، وهذا أيضاً مطلبُ حق، حين لا يزالون يَرَون على الطرقات شرطياً يحمل الهاتف الخلَوي في يد، والسيكارة في اليد الأُخرى، أو شرطياً واقفاً يُدردش مع رفيق له في سيارة، أو شرطياً يتحدّث بالهاتف الخلَوي من دون إدارته السير أمامه، أو شرطياً يرى الدرّاجات النارية تُزَوْرِبُ “زيكزاكياً” بين السيارات، مع السير أو عكس السير، من دون التوقف على الإشارة الضوئية، والشرطي واقفٌ لا يتحرك؟
أكثر من ذلك: وأنا مغادرٌ بيروت في المطار بعد ظهر أمس، في طريقي الى هنا في تاڤيرنا (إيطاليا)، وفيما المذياعُ يزعق تكراراً “يرجى عدم التدخين في أروقة المطار”، مَـرَّ أمامي شرطيان، يحمل أحدُهما سيجارة في فمه، والآخر سيجارةً بين إصبعيه. فكيف للمواطن عندها أن يحترم هذا الشرطيَّ الذي يريد له رؤساؤه أن يكون ذا كرامةٍ وهَيبة واحترام، وهو يدخّن وسط الناحية نفسها التي يذاع فيها أنّ التدخين ممنوع، ووظيفتُه أن يردع المدخنين في أروقة المطار؟
طبعاً ليس المطلوبُ وضعَ مراقبين في كل ناحية، وعند كل ناصية شارع، أو مفرق، أو تقاطع. لكن الرؤساء ونواياهم الطيبة في مكان، والمرؤوسين وتصرفاتهم اللامسؤولة في مكان آخَر. ولعلّ الأجدى: تَجميعُهم فِرَقاً فِرَقاً، وإخضاعُهم لدورات تأهيلٍ مدنية، تعلِّمهم كيف يكونون واجهة لبنان، لأننا حريصون على هيبة الدولة عبر الشرطي، ولأن رؤساءه في الوزارة والأمن الداخلي والأمن العام، يسجّلون صفحاتٍ للبنانَ مشرِّفةً ناصعةً رائعة، لم نَعُد نقبَلُ بعدَها أن يُشَوِّهَها شرطيٌّ غيرُ منضبط هنا، أو شرطيٌّ مهمِلٌ هناك، أو شرطيٌّ لامُبالٍ هنالك.
من هنا نبدأ باستعادة الهيبة التي يعمل على تنصيعها، منذ يومه الأول في الحكْم، وزيرُ الداخلية وأعوانُه في مفاصل الوزارة.
كنتُ معكم من تافيرنا في جنوب إيطاليا. إليكم بيروت.