هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

922: السيكار طريقُ العار

الحلقة 922: السيكار طريقُ العار
الأربعاء 14 تموز 2010

لا تزال أوساطُ فرنسا منشغلةً بفضيحةٍ أطلقتْها مجلة “الكانار آنشينيه” أدَّت الى استقالة عضوَين من الحكومة: وزير التعاون والفرنكوفونيا آلان جْوَايّاندِيْه، ووزير تنمية پاريس الكبرى كريستيان بْلان. وكان الرئيس الفرنسي ساركوزي ورئيس حكومته فرنسوا فيُّون أرغما الوزيرَين على الاستقالة، الأوّل بتهمتَين: استئجارِه طائرةً خاصة لقاء 116 ألف يورو خلال زيارة رسمية الى المارتينيك (للمشاركة في مؤتمرٍ حول إعادة إعمار هايتي)، واستحصالِه على رخصةٍ غيرِ شرعية لتوسيع دارته الخاصة في غْريْمو قرب سان تروپيه)، وتهمةُ الوزير الآخر أنه اشترى من مال الوزارة عُلَب سيكار كوبي بمبلغ 12 ألف يورو.
وكان على لائحة “الكانار آنشينيه” وزيرُ العمل إريك ڤُرْتْ، بتهمةِ أنه، حين كان وزير المال، قبض 150 ألف يورو لتمويل حملته الانتخابية سنة 2007، بالتواطؤ مع زوجته الموظفة في شركة كليمين المولجة إدارة ثروة السيدة ليليان بِتِنْكُور (رئيسة شركة “لورِيال” لمستحضرات التجميل وهي ثالث أغنى شركة في فرنسا) وكان ذاك المبلغ للسكوت عن تهريب أموال بِتِنْكُور من دفع ضريبة دخْلها لخزينة الدولة.
الشاهد من هذه القصة مزدوج: الأول أن وراء الفضائح الثلاث جريدةَ “لو كانار آنشينيه” الساخرة المستقلّة التي تنشر الحقائق عاريةً كما هي، والآخرُ أن الدولة الديمقراطية الحقيقية لا ترحم وزيراً ولا نائباً ولا سياسياً حين يتعلق الأمر باغتصابه الأموالَ العامة وخيانةِ مصلحة البلاد. فليس في المصلحة العامة محسوبياتٌ وحصانة نيابية ووزارية حين يُخطئ الوزير أو النائب، وليس فيها سكوتٌ من الصحافة أمام فضْح أيِّ سياسيٍّ، حين تكون الصحيفة حرةً لا يملكها سياسي، وليس وراءها سياسي، ولا يرشو إدارتَها سياسيٌّ كي تغطي أخبارَه العامة وتغطّي على فضائحه الخاصة.
قبل تسعين سنة، في افتتاحية العدد الأول من جريدته “المعرض”، نهار الأول من أيار 1921، كتب ميشال زكور: “واجب الصحافي أن يثورَ على أَيِّ شكلٍ من أشكال الظلم، وعلى أيّ عمل يؤذي مصلحة شعبه. إن لم يكن قلمُ الصحافيّ مقدوداً من شجرة الحرية، فكتاباتُه شهاداتٌ مزوّرة”. وهذا شعارُ كلِّ صحافي حُرّ، أمس واليوم وكل يوم.
ليس المهم أن يكون عندنا قانونُ محاسبة الرؤساء والوزراء والسياسيين. المهم تطبيقُ القانون وإزالةُ المحاسيب والمحسوبيات.
وليس المهم أن تكون عندنا صحافةٌ حرة، لعلّها الوحيدة في الصحافة العربية، بل المهم أن تبلُغ حريتُها حدَّ فضح المسؤول أياً يكن، حين تَثْبُتُ عليه تُهمة اغتصابِ الأموال العامة لِمصلحته الخاصة، أو تزويرِ أمرٍ غير قانونيّ، أو تغطيةِ من يزوّرونه.
ومن لَهُ أذُنان سامعتان وهو حُـرّ، فليَسُنَّ قلمَه، وليُحرِّر ضميرَه من المحسوبيات.