هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

921: رصاص المونديال يصيب ضحكة الطفلة

الحلقة 921: رصاص المونديال يصيب ضحكة الطفلة
الأحد 11 تموز 2010

كانت الطفلة ابنةُ السنتَين هانئةً في لَهْوِها، بين والدَيها وجدَّيها الفرِحِين بها تلعب وتضحك وتكاغي، في بهو بيتهم المطلّ على هدوء الجبل في تلك المسوية الجبلية الهانئة.
وما كادت الطفلةُ تنهض وتخطو بِحركةِ زهوٍ ودلال، حتى دوّى في محيط البيت الجبليّ انفجارُ طلقاتٍ قوية أرعدت قلبَ الطفلة فصرَخَت من هولٍ وهلعٍ لم تُخففْهما سرعةُ احتضانها الى حضن أمها لتهدئتها.
ما الذي حصل؟ حقَّق فريقٌ في المونديال هدفاً ضدّ الفريق الخصم، فانبرى مناصروه عندنا الى مسدَّساتهم ورشاشاتهم ورشَقوا الفضاء بطلقات أرعبت الطفلةَ ابنة السنتين، وأقلقَت هدوءَ البلدة الجبلية الوادعة، بِـرُعونة مواطنين غيرِ مسؤولين اغتصبوا هدوء الناس بوقاحتهم النرجسية، ولا من يسأل ولا من يحاسب.
في المقابل، وعلى 30 كلم عن بروكسيل، مدينة وِرْخْتِر البلجيكية التي تستضيف مهرجان الروك السنوي، قصدَها هذا العام هولنديون ضاقت بهم مقاهي البلدة فلم يستطيعوا فيها أن يتابعوا مباراة المونديال بين هولندا والبرازيل. تأثّر مواطنٌ بلجيكي بهذا الأمر فأخرَج جهاز التلڤزيون الى حديقة بيته ودعا بعض الهولنديين كي يتابعوا المباراة التي انتهت يومها بفوز بلادهم هولندا. بعد هذا الفوز انبرى أحد الهولنديين، وفاءً وامتناناً، فحمَل لافتةً دار بها في شوارع المدينة كتَبَ عليها عبارات شكر لصاحب البيت على بادرته النبيلة. قرأ شرطيٌّ هذه اللافتة فتوجَّه الى ذاك البيت ونظّم بِحقّ صاحبه محضر ضبط فورياً بـ20 ألف يورو لأنه خالف قرار البلدية في “عدم إقلاق راحة الجيران بعرض أيّ شاشةٍ خارجية لقاصدي المدينة طوال أيام مهرجان الروك” الذي يجري فيها سنوياً منذ 1974. لم يعترض المواطن البلجيكي ولم يَنْتَهِر الشرطيّ، ولم يقل له “اعرف مع مين عمتحكي”، ولم يتّصل بواحد من السياسيين الذين يحتمي بهم، ولا هدّد الشرطي بقوله: “بكرا بتشوف. بكرا بفرجيك”.
هناك… ينضبط المواطن، يدفع قيمة المخالفة ولو باهظة، ويعرف أن النظام فوق الجميع.
وهنا… لا ينضبط المواطن، ولا يدفع قيمة المخالفة، بل يشكو لدى زعيمه السياسي الذي يغطّيه، لأنه يعرف أن النظام ليس فوق الجميع، ويعرف أنه زلمة فلان أو فلان، وأنه محسوب على تيار أو زعيم أو سياسي، وتالياً لا يطاله الشرطي ولا النظام.
هناك… دولةٌ تَحمي مواطنيها.
وهنا… مَحسوبياتٌ تَحمي محاسيبها ولا تَحمي صراخ طفلة أرعبها الابتهاج الرياضي وخنق صوتها الذي كان بهجة أهلها في هدوء تلك البلدة الجبلية الهانئة.
مع انتهاء مباريات المونديال اليوم:
كلّ مونديال ورصاصُ لبنان وزماميرُ الموندياليين وأعلامُهم على موعدٍ ووَعدٍ: موعدٍ مع مباريات المونديال المقبلة، ووَعدٍ بالبقاء الدائم في… الفوضى ومُخالفة النظام.