هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

910: ليلة سَمَر في عرزال القَـمـَـر

الحلقة 910: ليلة سَمَر في عرزال القَمَر
الأربعاء 3 حزيران 2010

إذا كان العرزال من ماضي المشهد اللبناني في جبالنا، فهو اليوم من حاضر المدنية الموغلة في الحداثة.
وإذا كان، لبنانياً، مُعْنِقاً يبنيه فلاح في جوزة، أو ناطور في سنديانة، أو هاوٍ في صنوبرة، فهو، غربياً، هندسةٌ معمارية تجارية تستقطب لها رواداً وسياحاً ومستثمرين.
وفي فرنسا اليوم تروج موضة العرازيل على أغصان الشجر، في أشكال هندسية معمارية جميلة، تُغري باستئجارها، أو شرائها، أو حتى بنائها، لقضاء عطلةٍ، أو تمضية أيامٍ من السياحة البيئية في حضن مرجٍ، أو قلبِ سهلٍ، أو بين أفياءِ غابةٍ خضراء.
وهي منوّعة الأشكال، تُبنى كأعشاشٍ كبيرةٍ في أعباب الشجر أو على قُنَنها، ويُرقى إليها بسلالم من خشب، أو من أغصان الشجر، مشدودةٍ بِحِبالٍ الى أقسام الشجرة ذاتها، أو جارتها الشجرة المجاورة.
شكلُ العرزال يتراوح بين كُرَةٍ، أو بيضةٍ، أو صخرةٍ، أو قنديلٍ، أو خيمةٍ، وتتراوح سعَتُه في الداخل بين غرفةٍ خشبية مُجهَّزة أو اثنتين، وربما أكثر، لشخصين أو أربعة، وربما أكثر، بحسَب اتّساع أغصان الشجرة التي تحتويه، وإمكان تزويده بشرفةٍ صغيرةٍ تطلُّ على المشهد الممتدّ أمامه: ملعباً للشمس والعصافير والفراشات، أو فسحةً للّيل وزقزقات النجوم المسامرة. فليس أجمل من عرزال معلَّق على شجرة، لسُوَيعات الحب والصفاء والراحة والهناءة.
لأجل ذلك، راجت في فرنسا منذ فترةٍ قروضٌ مصرفية طويلة الأمد، تسهيلاً وتشجيعاً للمستهلكين كي يبنوا هذا النوع الخاص من البيوت، في أملاكهم، أو في سهولٍ أو حقولٍ أو غاباتٍ، لتمضية عطلات في الطبيعة، بعيداً عن بيوتٍ مُكدَّسةٍ عُلَباً في غابات الإسمنت والحديد والحجارة.
عندنا في لبنان كثيرٌ من المساحات الخضراء والغابات الساحرة الجمال والهدوء والمناظر، قد تكون أماكنَ جذْبٍ في قُرانا وأريافنا وجبالنا لهذا النوع من البيوت الطريفة التي تحفظ الشجر فلا تقطعُه ليحلّ مكانه الإسمنت، وتحفظ البيئة فلا تتصحَّر، وتحفظ المال فلا تُهدَرُ ملايينُهُ على بيت باطوني مُكْلف.
وعوض أن تنْشُبَ في بقية مساحاتنا الخضراء بيوتٌ حجرية باطونية، مَحشورةٌ بين بحر وجبل، تغتالُ تباعاً كلَّ أثر للشجر الأخضر، فَلْتَنْمُ في أخضرنا الجميل عرازيلُ جماليةٌ تتولاها شركات هندسة، أو مؤسسات استثمارية أو سياحية، تجعل من أعباب الشجر سكَناً جميلاً بين الأغصان، ككابينات الـمُجمّعات البحرية أو شاليهاتها، لكنما، عوض أن تغفو على هدير موج البحر، تتعنزقُ بين أفنان الشجر، فتحلُو بين هدهداتِ الليل سهراتُ السَّمَر، على ضوء القَمَر، في دغدغةِ النسيم على عرزال القَمَر.