هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

646: من المجتمع المدني إلى الزواج المدني

من المجتمع المدني الى الزواج المدني
السبت 8 أيار 2010
– 646 –

تتزايد بين أوساط الشباب في مُجتمعنا المدني أصواتٌ وتظاهراتٌ ومظاهراتٌ وعرائضُ تطالب باعتماد الزواج المدني طريقاً الى الاتحاد الوطني بين العائلات الروحية. وكان جبران تويني قبل سنواتٍ بدأ يُحَرّك هذا الموضوع منذ كتب: “إذا قال الشعب نعم للزواج المدني يكونُ اختار الطريق الصحيح والخطوة الأُولى لتطبيق مفهوم المجتمع المدني (“نَهار الشباب”-20/1/1998).
ويؤكِّد المعنيون بهذه التظاهرات أنّ مطالبتهم بالزواج المدني لا تتعارض مطلقاً مع احترام الأديان والشعائر وطقوس دينية مكرَّسة لا يَمَسُّها أحد ولا ينوي التطاولَ عليها أحد. وفي عريضة يوقِّعها حالياً مئات الشبان والصبايا ورَدَت عبارات لافتة، منها: “الإيمان الحقيقي إيمانُ المخَيَّر لا المسَيَّر، وما عداه مفروض بما يُخفي الفرض من نوايا مبيَّتة أو رافضة في صمت وقهر. دعوا الناس يبلغون وجه الله في حرية خيارهم، لأن الله تعالى خلَقَنا أحراراً، فاتركوا لهم حرية الخيار كي يكونوا أحراراً كما خلقهم رب العالمين”. من هنا يتّضح أنّ المقصود ليس انفلاتاً من المجتمع المدني الى خطوةٍ في الفراغ بل الى خطوةِ أنّ الحرية في اختيار الشريك الآخر (مع كل الاحترام للمذهب والدين والطائفة) يَجب ألاّ يعيقَها حائلٌ ديني أو مذهبي يفرضه أولياءُ عائلة غارقون في قيود مذهبية أو دينية أو طائفية.
وينوّه هؤلاء الشباب والصبايا ببادرة وزارة الداخلية السماحَ بحذف المذهب عن الوثائق الرسمية “خطوةً جريئةً أُولى نحو علمَنة الدولة” من دون المساس بجوهر الحرُمات الدينية. لذا يصدُمُهم أن يكون الزواج المدني شرعياً في لبنان إذا تَمَّ خارج لبنان، وليس متاحاً ولا شرعياً إذا تَمّ داخل لبنان حيث لا اعتراف إلاّ بزواج ديني أو طلاق ديني أو حصر إرث بحسب قانون ديني أو مذهبي للطوائف الثماني عشرة.
في الغرب (وهو ليس أقلَّ منّا احتراماً المشاعرَ والطقوسَ الدينية) بدأ الزواج المدني في فرنسا (1792) بُعَيد الثورة الفرنسية وعمَّمه بوناپارت على كل أوروپا فبات إلزامياً في ألْمانيا منذ 1850 (وبقي الديني اختيارياً). وهو في جميع الولايات المتحدة إلْزاميّ يتمّ أمام قاضٍ أو رئيس بلدية أو موظف مُختصّ، من دون التطلُّع الى دين العروسين (زواجهما الديني اختياري لا سجلّ له في دوائر الدولة، ويلزمه إذْن خاص من السلطات الرسمية كي يعقده رجل الدين). وفي بعض الدول (فرنسا، ألْمانيا، تركيا، الأرجنتين، روسيا، وإيطاليا أرض الفاتيكان) تفرض الدولة احتفالاً مدنياً للزواج كي تتم رسمياً معاملات الاعتراف به.
في لبنان بدأت مُحاولات الزواج المدني منذ مطلع الخمسينات لكنها كنت تصطدم برفض شرعنتها أو تشريعها، كما اصطدمَت بالرفض ذاته مُحاولةُ الرئيس الأسبق الياس هراوي سنة 1998 اقتراحَ الزواج المدني الاختياري تسهيلاً للراغبين فيه.
في دراسات المشرّعين اللبنانيّين أن الحلّ هو في تشريع حرية الزواج المدني الاختياري داخل لبنان والاعتراف به قانوناً، أُسوةً بالمعترف به شرعاً وقانوناً حين يتمّ خارج لبنان ثُمّ تسجِّلُه دائرة الأحوال الشخصية معتَرَفاً به كأنه تَمَّ داخل لبنان.
هذا الزواج المدني الاختياري، معطوفاً على الزواج الديني لِمَن يريده، يوسّع أمام الجيل الجديد أفقاً من حرية الاختيار يفتح بدوره الى عَلمَنَةٍ علميةٍ واعية توطِّد الاتحاد الوطني القائم على الإيمان بالله وبالدولة، تماماً كما الحال لدى شعوبٍ غربية لم تُبعِدْها شَرعَنَةُ الزواج المدني عن الله ولا عن الدولة، بل ظَلَّ الإيمان يَصِلُها بالله، والقانون المدني يَصِلُها بالدولة، والزواج المدني يَصِلُها بالله والدولة معاً، في ترابُطٍ أثْبَت جدواه على الصعيدَين الديني والمدني معاً.
للرسام السويسري ألبير أنكِر لوحةٌ عن احتفال زواج مدني سنة 1887، تشير الى أن سويسرا عرفت هذا الزواج منذ القرن التاسع عشر وليس فيها مَن يُنكر الدين أو يرفض الزواج في الكنيسة. ومَن يريدون لبنان “سويسرا الشرق”، فلسويسرا مواصفاتٌ كثيرةٌ على لبنان أن يتماهى بها كي يكون مثْلها نَموذجياً في نظامه وحزْم دولته في تطبيق قوانينها، قبل إطلاق شعارات فضفاضة ترفض في طليعتها منطق الزواج المدني ولو… اختيارياً.