هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

904: الطريق التي لم نسلكها بعد

الحلقة 904: الطريق التي لم نسلُـكْها بعد
الأربعاء 12 أيّـار 2010

في قصيدة لشاعر أميركا الكبير روبرت فرُوست عنوانُها “الطريق التي لم نسلكها بعد”، جاء:
“طريقان أمامي في غابة خريفية صفراء. ولعجزي عن سلوكهما معاً، وأنا وحدي، ترددتُ طويلاً في أيِّهِما أَسلُك. تأملتُ إحداهُما: طويلةً أمامي، مفتوحةً الى البعيد، حتى انعطافِها واختفائِها خلف الشجر. سوى أنني سلكتُ الطريق الأُخرى: رأيتُها معشوشبة، ولو انّ الورق عليها متناثر كما الطريق الأُولى. أضمرتُ أن أعودَ ذات يوم، فأسلُكَ تلك الطريق الأولى، ولو انّ الطرقات في النهاية تُلاقي واحدتُها الأُخرى في مكانٍ ما. وإذا لم أعُد الى تلك الطريق الأُولى، قد أروي، آسفاً، ذات يومٍ بعيد، أنّ طريقَين امتدّتا في غابة أَمامي، اخترتُ بينهما الأقلّ سلوكاً قبلي، وغيَّرَت تلك الطريق مَجرى حياتي”.
حكمة هذه القصيدة العميقة الإيحاء، أنَّ أمام الإنسان دائماً طرقاتٍ تنفتحُ له، متشابهةً أو متغايرة، غامضةً أو مكشوفة، سهلةً أو شائكة، عند كلّ موقف يواجهه في حياته الشخصية أو المهنية أو الاجتماعية أو حتى السياسية، وعليه أن يختار بينها طريقاً يسلُكُها ويتحمّل مسؤولية اختيارها. قد يُفلح في بلوغِه مُرادَه، وقد يفشلُ فينكفئُ ويختار طريقاً أخرى يشق بها حياته من جديد الى مرحلة من حياته جديدة.
الشاهد هنا: معرفةُ اختيار الطريق، بالحِسّ مرةً، بالحَدْس أُخرى، بالمنطِق مرة، بالعاطفة أخرى، بالميل مرةً، بالحسابات أخرى، وسلوكُ هذه الطريق واقتبالُ منعرجاتِها ونتائجِها والمترتّبات.
الشاهد الآخر: الانتباهُ، ولو بعد حين، الى خطإ اختيار الطريق وعدمُ الخوف من تغييرها. وللتغيير شجاعةٌ خاصة، عند اكتشاف عُقْم الخيار السابق. الطرقاتُ مفتوحةٌ جميعُها للجميع. يبقى على الإنسان أن يُمسكَ بشجاعته، ويغيِّرَ طريقه إن تبيَّنَ له خطأُ سلوكِها، ويَتَّخِذَ طريقاً أخرى تلائم اختياره الجديد، الشخصي أو السياسي أو الانتمائي أو الوطني، فَليس عيباً أن نكونَ أخطأْنا اختيارَ طريقنا – الحياتية أو السياسية أو الوطنية-، بل العيبُ أن نعي خطأَنا ونبقى عليه ولا نغيّرَ الطريق.
ورُبّ طريقٍ نكون، قبلاً، أَشحْنا عنها لعدم اقتناعنا بها، تكون هي الطريقَ التي كان يجب أن نسلُكها.
فلنغيِّرِ الطريقَ التي اخترنا – إذا اكتشفنا ضلالَنا فيها – قبل أن تنسَدَّ أمامنا جميعُ الطرقات الباقية.
ويا هنيئاً لِمن استدرَكَ وغيَّرَ طريقه، وعرفَ أيَّ طريقٍ جديدةٍ يختار، حتى ولو اختارَها… في خريف العمر !