هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

903: يا مختار المخاتير

الحلقة 903: يــا مـختار المخاتير
الأحد 9 أيار 2010

كأنما لا يكفي تسييسُ الانتخابات البلدية، وتسجيلُ نقاط للسياسيين بين ربح وخسارة، كأنهم في “ماتش فوتبول” أو مصارعة حرة مع أخصامهم، حتى فَلَشُوا كيدياتهم على انتخابات المخاتير في الأحياء والزواريب، فانتشرت صوَرُهم وشعاراتهم في كل حيٍّ وشارعٍ وعلى كل حيط وعمود كهرباء، وتَوَسَّع السجال السياسي العنتريّ في تصاريح السياسيين يتجاذبون صندوق المخترة، حتى “قَزَّمُوا” العمل السياسي من حساباتٍ على مستوى الوطن الى احتسابات على مستوى الزواريب.
المختار في تقاليدنا جُزءٌ من المشهد الاجتماعي اللبناني: نَموذجٌ طريفٌ مُحَبَّب، موضعُ استقطاب أهل الحي أو البلدة أو الضيعة أو الزاروب، قريبٌ من الجميع بَيتاً بَيتاً، يعرفونه ويثقُون به، يعرف أخبارهم وتفاصيلهم، يتّفقون على انتخابه مُختارَهم المحبوب فيقوم لهم بمعاملات روتينية عادية بسيطة (ورقة فقر حال، شهادة سكَن، شهادة حسن سلوك، تثبيت شخص معروف منه شخصياً…)، وهي بديهيات إدارية يُكمل منها المواطن الى معاملاته التالية في الدوائر العقارية أو دوائر الأحوال الشخصية أو سائر الدوائر الحكومية. وقد يكون أحياناً شبْهَ أُمِّيّ، يُخطئ باسْمٍ يَكتُبُه مغلوطاً فيُلزِم صاحبَه بِتَبَنّي كتابة اسمه كما دوَّنه المختار. وهو يُدعى الى زواج أو احتفال عائلي فيحضر بِهَيبةٍ “أبو مِلْحِمِية”. وهو إجمالاً “شيخ صلح” أو “حلاّل مشاكل” بين أهالي حيّه أو بلدته أو ضيعته، كما جسَّده الأخوان رحباني شخصيةً طريفةً في أكثرَ من مسرحية، وجعلاه في “ميس الريم”: “مُختار المخاتير”.
غير أن الوضع اليوم تغيَّر، وبات معظم المختارين متعلّمين، يؤدُّون دورهم في أمانةٍ وثقى، الى أن دخلت السياسة على انتخابات المختَرة، وتدخّل السياسيون فجعلوا المختار طَرَفاً، لا في حركةٍ انتخابية هادئة، بل في معارك شدّ الحبل بين هذه القوى وتلك، هذه الأحزاب وتلك، هذه التيارات وتلك، وتعكس وسائل الإعلام هذا الوضع، فتنقل أنّ هذا المرشّح على المخترة مدعومٌ من هذا أو ذاك أو ذلك من “بيت بو سياسة”، وبذلك استغلّ السياسيون صورة المختار الاجتماعية والعائلية فأفسدوها بتجاذباتهم.
في مسرحية “بياع الخواتم” تقول ريما لخالها المختار: “طيّب وبتكذب عليهُن”، فيجيبُها خالها المختار: “إيه يا ريما، دمّات الكذاب خفاف، ومن حكياتو ما بينخاف. هيدي يا خالي مش كذبِه، هيدي شَغْله حَدّ الكِذْبِه”.
وأخشى ما نَخشاه هذه السنة (بسبب تدخُّلات السياسيين) ألاّ تكونَ انتخاباتُ المخترة “شغلِه حَـدّ الكذبِه” بل أن تكون… كذبة الأكاذيب.