هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

896: تكريماً لـ13 نيسان

الحلقة 896: تكريماً لـ13 نيسان
الأربعاء 14 نيسان 2010

أمس كان 13 نيسان.
في العادة أن نتذكَّر هذا التاريخَ علامةً سوداءَ في ذاكرة لبنان الحديث لأنّ فيه اندلَعَت شرارةُ حرب تناسلَت سنواتٍ مُضْنيةً ما زالت نُدوبُها الموجعةُ تتراءى حتى اليوم.
ولكن: هل حقاً ذكرى 13 نيسان موجعةٌ ودراماتيكيةٌ في جميع وُجوهها؟ هل حقاً يَجب أن “نَنْسى” 13 نيسان؟ وهل هي فقط، في ذاكرتنا الجماعية، ذكرى حربٍ وخرابٍ وهجرة وموت؟
كلاّ. إنّ فيها وجهاً إيجابياً لافتاً هذه الـ”ذكرى 13 نيسان”.
فهي تعلِّمنا الفارق بين الفروق والفِرْقَة، بين الافتراقات والتفرقة، بين الاختلافات والخلافات.
ذلك أننا، قبل 13 نيسان، تناوَلْنا اختلافاتنا المذهبيةَ والعقائدية والإيديولوجية التي كانت غنىً للبنان، وجعلْناها خلافاتٍ رمَتْنا جميعاً حَطباً ضحايا في مواقد الآخرين.
فلنستمدَّ من تذكار الموت قوّةً للحياة. كلٌّ منا يَحمل في ذاته اختلافاتِـهِ عن السوى، ويمارسها ويعيشها في حياته اليومية، هانئاً بِها، متفاعلاً فيها مع الآخرين، على ألاّ تنقلب هذه الاختلافاتُ عن السوى خلافاتٍ مع السوى، كما حصل قبل 13 نيسان وأدّى الى 13 نيسان، لأنّ كلَّ فريق كان يحاول أن يغلِّب على الآخر اختلافَه عن الآخَر، ويَجعلَه خلافاً مع هذا الآخَر. كان يريد أن ينتصرَ باختلافاته فيمحوَ الآخَر ويُلغِيَهُ ويُذيبَه في عقيدته هو، وطريقة تفكيره هو، وهذا ما نقل الأمر من الاختلاف التكتيكيّ الى الخلاف الدراماتيكيّ.
الجوهر اليوم هو العكس: علينا أن “نكرِّم 13 نيسان” لا أن ننساه ولا أن نلعنَه غاضبين، لأنّ في تكريمه رمزاً أَساسياً للقِيَم، ولِغنى فروقاتٍ تشكِّل النسيج اللبناني الفريد الذي فيه هُويَّتُنا الوطنية، وانتماءاتُنا التي تحمل قِيَمَنا وعقائدَنا.
نحن أغنياءُ بفروقاتِنا. فلنجعلْها شِعاراً لنا كي نتكافلَ معاً، ونتخاصرَ معاً، ونتضافرَ معاً، حُزمةً منوعةً، متعددةً في وَحدتِها، مصدرَ حياة غنياً، منبعَ تواصلٍ واتصال، ودافعاً للاعتزاز بوطننا الجامعِ هذه المروحةَ الرائعةَ من الأديان والمذاهب والتشكيلات العقائدية والإيديولوجية والحزبية، منصهرةً معاً في بوتقةٍ واحدة ضمن الوطن الواحد، والهوية الواحدة، والتطلُّع الواحد الى مستقبلٍ واحدٍ جامعٍ ضامنٍ وَحدةَ الأجيال المقبلة تحت سماء واحدة.
فلْنَشْهَر 13 نيسان كلَّ يومٍ 13 نيسان، معاً معاً معاً، من أجل لبنانٍ وَحدَتُهُ في تنَوُّعه، رابِطُهُ في اختلافاتٍ غنيةٍ لا تُوْدي الى خلافات، وفروقاتُهُ المنوَّعةُ لا تُوْدي الى افتراقات، ومروحةُ مذاهبِهِ وأديانِهِ وعقائِدِه تنصهرُ في نِظرةٍ واحدة الى إلهٍ واحدٍ أحدٍ لا إلهَ إلا هو، وفي وطنٍ واحدٍ أحدٍ لا انتماءَ إلا إليه.