هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

894: حريّة التدخين لا تعني قمح حرية الآخرين

الحلقة 894: حريَّة التدخين لا تعني قمع حرية الآخرين
الأربعاء 7 نيسان 2010

لا يَأْخُذَنَّ أحدٌ علينا، حين نواصل الحملة على التدخين، أننا نقمع حرّيّة المدخِّنين. فليس لأحدٍ أن يَقْمَعَ حريةَ أحد.
غير أن المدخِّنين، حين يُدَخِّنون بين غير المدخِّنين، فإنما هم الذين يَقْمعون حرية من لا يدخِّنون. وإلا فكيف نفسّر إصرارهم على التدخين في وجوه غير المدخِّنين، ويُرغمونهم على تَنَشُّق الدخان الذي أصلاً لا يدخِّنون كي لا يَتَنَشَّقوه؟
وتَجنُّباً لقمع المدخِّنين حريةَ غير المدخِّنين، صدرت تشريعات دولية في الغرب تَمنع التدخين في الأماكن المقفلة والعامة (من دوائرَ رسميةٍ ومطاعمَ ومقاهٍ وفنادقَ وعلبِ ليلٍ وحانات)، وتترك الحرية للمدخِّنين خارج هذه الأماكن (غالباً في الهواء الطلق) كي لا يدَّعي المدخِّنون أن حرّيتهم مقموعة، وكي يتمتَّعَ غيرُ المدخِّنين بحقهم في حرية عدم تنشُّق الدخان المسموم.
وإذا كان غير المدخِّنين لا يزعجون المدخِّنين حين يزاول هؤلاء حرّيتهم بعيداً في الخارج، فلماذا يريد المدخِّنون أن يزعجوا غيرَ المدخِّنين بالتدخين في وجوههم؟ هذا ما تنبّه له القانون الدولي فحظَّر التدخين في أماكن داخلية وعامة ولم يحظِّره بشكل مطلق.
وهو هذا ما نشهده في أوروپّا وأميركا وأساطيل الطيران الجوي، وما بدأنا نشهده في بعض الدول العربية. وأحدث ما علمناه مؤخراً قيامُ مَجموعة أطفال في مُحافظة إدلب السورية (شمالي دمشق) بالتوقيع مع أهاليهم على يافطة قماشية من 200 متر كتبُوا عليها “لا للتدخين” وهو ما يتّفق مع صدور قانون من الحكومة السورية، بإيعاز مباشَر من الرئيس السوري، يَمنع التدخين في الأماكن العامة، يبدأُ تنفيذُهُ الصارم الحازم في الأول من أيار المقبل، ويُعاقِبُ صاحبَ الجهة العامة، التي تقدِّم أو تسمح بالتدخين، بغرامة ألف دولار.
وإذا عندنا أصدَر رئيس بلدية زوق مكايل قراراً بِمنْع التدخين في حرَم البلدية وجميع ملحقاتها، ووزيرُ الشؤون الاجتماعية قراراً بحظْر التدخين داخل أبنية الوزارة، وكانت وزارة السياحة أصدرَت قراراً مُماثلاً في فترة سابقة، فلا بُدَّ من قانون عامٍّ صارمٍ تُصدره الحكومة اللبنانية بحظر التدخين في الدوائر الرسمية والأماكن العامة والمقْفَلَة، حمايةً لِحقوق غير المدخِّنين، وترْك الحرية للمدخِّنين بالتدخين في الهواء الطلق حرصاً على حرّيّتهم التي لا يَحُقُّ لأحدٍ قمعُها.
إنّ الدولة الحازمة هي التي تسهر على حقوق مواطنيها جميعاً بالسواسية في الحظر والسماح.
وفي المحصِّلة: ليست هَيبةُ الدولة في إصدار القوانين، بل في… حزم تطبيقها.