هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

874: التعيينات الإدارية هي المعيار

الحلقة 874: التعيينات الإدارية هي المعيار
الأربعاء 13 كانون الثاني 2010

ما إن بدأ الكلام على التعيينات الإدارية حتى انفتحَت شهيةُ السياسيين على التصريح عن الكفاءة والنزاهة وإبعاد المحاصصة، فيما معظمهم يَنطُقون بالفضائل ويُضْمِرون الرسائل لأزلامهم والمحاسيبِ بأنّ الوقت جاء لتنفيذ وعودهم الخدماتية لقاعدتهم الانتخابية، فهذا موسم ذهبي، بل موسم المواسم، يبيّضون فيه صفحتهم في حيثما لم يستطيعوها قبل اليوم في مواسم الوزارة والنيابة والبلديات.
ومع أنهم يُحاضرون في العفّة والعفاف والاستعفاف بفصاحةٍ وبلاغةٍ نادرتَين عن ضرورة وضع الشخص المناسب في المنصب المناسب، فمعظمهم يتهيَّأُون ليفرضوا “كوتا” صارمة تتقنّع مرَّةً بالطائفية، ومرَّةً بالمناطقية، ومرَّةً بالمساحة التمثيلية، وحين تَحسُرُ عن وجهها لا تكون سوى تنفيعات تطرد من أمامها كلَّ فرصةٍ لِمُستحقين لا يَملكون بطاقةَ توصيةٍ من قيادي، أو حظوةً مَحسوبية عند سياسي، أو صلة قُربى أو استزلام لدى زعيم مذهبي أو طائفي أو سياسي.
وعندئذٍ يفقد الأملَ الذين يحملون شهاداتهم وخبرتهم، ولا يحملون بطاقة توصية، ولا ينتمون الى هذا أو ذاك من “بيت بو سياسة”، وبدَلَ حَمْل بطاقة توصية يرفضون ذُلَّها وإهانتها، يَحملون جوازَ سفرهم ويتوجَّهون سريعاً الى المطار غير ملتفتين وراءهم الى دموع أمٍّ مقهورة عليهم أو غصَّة والدٍ مصدوم.
الذين يتشدّقون بالدولة العصرية ودولة القانون والمؤسسات، هنا مَحَكُّهم ليبرهنوا عن صدق نواياهم وأقوالهم بأن يتنازلوا عن أحد أزلامهم لِمستحِقٍّ من غير مَحاسيبهم، وألاّ يعرقلوا مرشحاً لفئة أولى أو ثانية لأنه ليس من جماعتهم أو طائفتهم، وألاّ يقفوا في وجه متخصّص في حقلٍ يَخدم هذا الحقلَ بِمعرفته وخبرته أكثرَ من جاهل به مَحسوبٍ على هذا أو ذاك من “بيت بو سياسة”.
والذين يدّعون بأنهم يَسُوسُون الدولة نحو مستقبل أفضل، هنا معيارُهم ليُثْبِتوا جدارتهم في سياسة البلاد، فلا يقول واحدهم: “هذه الوظيفة من حصتي”، أو “هذه الوظيفة حق لجماعتي”، أو “هذه الوظيفة لطائفتي أو مذهبي أو تياري السياسي”.
والذين يتشدّقون بإلغاء الطائفية السياسية، وفي داخلهم يَعْوي ذئْبُ الطائفية، فلْيُثْبِتوا مصداقيَّتهم ويبدأوا هُمْ بإلغاء مُحاصصاتهم الطائفية، وإلاّ فنحن مُقْبِلون على كارثة وظائفية جديدة تَزيد فساداً هذه الدولةَ المنخورةَ بالفساد، وتزيدُ اهتراءً دوائرَ الدولة المضروبةَ بالاهتراء، وتُبقينا مزرعةً أو عشيرةً أو قبيلةً يتقاسم مغانمها شيوخُ القبيلة وزعماءُ العشيرة وأولياءُ المزرعة.
وعندها تكون التعييناتُ الإدارية سَرَطاناً جديداً يضرب لبنان عوض أن تكون نُسغاً نقياً يَشفيه من سرطاناته السياسية.