هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

870: البادرة الحياديّة لا الوسيلة التكنولوجية

الحلقة 870 : البادرة الحياديَّـة لا الوسيلة التكنولوجـيَّة
الأربعاء 30 كانون الأول 2009

أشكَلَ على أصدقاء ومستعمين اتَّصلوا أو راسلوني بعد بث الحلقة الماضية من “نقطة على الحرف”، وفيها إشارةٌ الى ظاهرةِ معايداتٍ، عبر الهاتف الخلوي أو الرسائل الإلكترونية، مكونةٍ من عبارات عامة لكل الناس، واختزالٍ صادمٍ للّغة في اختصارها الى حروفٍ وإشارات وعلامات، فبدا لَهم أنني ضدّ استخدام الوسائل الإلكترونية لإرسال المعايدات.
الواقع غيرُ ذلك تماماً. فليس من يُنكر حضور التكنولوجيا في هذا العصر وهي أُمُّ هذا العصر، وليس من يَبقى خارجَها ويدّعي أنه يعيش عصرَه، وليس من ينكر جمالَ الاختزال في مطوّلات الكلام والاختزالُ كذلك سمةُ هذا العصر الذي إيقاعه لَم يَعُدْ يُمهل المطوَّلات وإلاّ كان صاحبُها يعيش خارج العصر.
الهدف من الحلقة الماضية، تَحديداً، كان مزدوجاً: الحياديةُ الباردة في المعايدات، وتشويهُ اللغة.
1) فحتى بطاقاتُ المعايدةِ البريديةُ التقليديةُ التي كنا نُرسلها بصُوَرِها الجاهزة الجامدة وما تحمله من عباراتٍ معلّبة مطبوعة سلفاً، كانت تبقى حياديةً إن لم نكن نُرفِقها بعباراتٍ مباشرةٍ مُخصَّصة نكتبها بخطّنا للمرسَلة إليهم تجعل للبطاقة طابعاً شخصياً غيرَ حيادي بكلماتٍ يعرف متلقّيها أنها مكتوبةٌ إليه وليست مطبوعةً في البطاقة ذاهبةً الى كلّ الناس. والأمر نفسه في المعايدات الإلكترونية (التي باتت اليوم كلماتٍ متحركةً في فيلم قصير مع موسيقى جميلة) أو الخلويةِ التي تصل الى متلقّيها هي نفسُها حاملة عباراتٍ حياديةً عامةً تذهب الى كلّ الناس، بدون حرارة الكتابة الشخصية المخصَّصة الدافئة، بل هي كَبسة زر وتذهب العبارةُ نفسُها ترسلها شركة الاتصالات دفعةً واحدة الى عدد كبير على العناوين الإلكتروني أو الأرقام الخلوية.
2) أما اللغة، فبعدما لم يكن مُمكناً في البطاقات البريدية إرسالُ حروفٍ بمثابة كلمات أو رسومٍ بمثابة تعابير، بات اليوم الحرف والرسم اختصاراً لحرارة الكلمات الشخصية في المعايدات، في استسهالٍ واستقرابٍ يُنْذِران بالاعتياد على كسل الكتابة بلُغَةٍ مركّبة منطقية سليمة قد ينعكس كسلاً على الكتابة عموماً وتالياً على التفكير والتعبير المشوَّه عن هذا التفكير بالسقوط في الرموز الحيادية.
المعايدات “فعلُ” حُبّ أو مَحبّة. فَلْنُعْطِ هذا “الفعل” حقَّه من الجهد الكتابي لغةً سليمةً مباشرةً شخصية، من دون انتهاك اللغة والاستهانة بالكلمات.
الكلماتُ تعبيرٌ عن الذات، وكلُّ “فعل” لا يخرج من القلب ليبلغ قلب السوى، يبقى حيادياً بارداً لا يصل الى القلب ولا الى الذات المتلقّية، سواءٌ أرسلناه بالوسيلة البريدية أو بالوسيلة التكنولوجية.
فالتكنولوجيا تَحتمل النبضة الشخصية الحارة غير الحيادية، ولو كانت، في طبيعتها، وسيلةً حيادية.
وكلَّ عامٍ جديد وفي قلبكم “فعلٌ” متجدّدٌ دافئٌ لِـحُبٍّ دائم شخصيٍّ غيرِ حياديّ.