هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

859: إنه عيدُ الأعياد

الحلقة 859: إنه عيدُ الأعياد
الأحد 22 تشرين الثاني 2009

قبل سنواتٍ غير قليلة، كان المواطنون يتوافَدون منذ الصباح الباكر في مثل هذا النهار (22 تشرين الثاني) الى شارع فؤاد الأول، يصطفُّون على جانبَي الشارع، أو يرتَقُون الى سطوح الأبنية العالية المطلّة على الشارع، يشاهدون عن قُرْبٍ مرورَ العرض العسكري الجميل في مناسبة عيد الاستقلال، ويهنِّئ بعضُهم بعضاً بِهذا العيد ذي المغزى الأجمل بين مغازي الأعياد، عيدِ التحرُّر من رِبْقَة الانتداب والوصاية وكل أشكال الاحتلال. يومَها كان هذا النهارُ عيداً وطنياً يشعر به جميع المواطنين، وتنقُلُه إذاعة لبنان مباشرةً على الهواء، قبل أن أخَذَت تنقُلُه مَحطات التلڤزيون كذلك الى لبنان والعالم.
لعلّ هذا النهار أجملُ أعياد لبنان، بِمغازيه ومعانيه وأبعاده، تَحيةً لعَلَم بلادِنا المقدَّس يرتفع في القلوب والنفوس والأماكن، وتُرافقُه مَغازٍ أخرى من احتفالاتٍ رسمية، ووضْع الأكاليل على أضرحة شهداء الاستقلال وأعلامه، وتَقَبُّل التهانئ في القصر الجمهوري بِحضور رؤساء الجمهورية والمجلس النيابي والحكومة. من هنا عبارة رئيس الحكومة سعد الحريري: “عيدُ الاستقلال يَتميَّز عن غيره من الأعياد بطابعه الوطني الأسمى الذي يَستحِقُّ التعطيل الرسمي للاحتفال به”.
غير أنّ عيد الاستقلال ليس مناسبةَ احتفالاتٍ وحسْب، بل تَعَلُّمٌ يوميٌّ على الاستقلال الذاتي والجماعي والوطني معاً، في جميع المجالات، كي يَشعُرَ المواطن أنه في وطنٍ مستقلٍّ غيرِ تابعٍ لأيِّ خارج، يقوم فيه المواطن بواجباته تجاه دولته، وتقوم دولته في المقابل بواجباتها تجاهه فَتَصِلُهُ حقوقُه من دولته الساهرة عليه لتُريحه لا لتُرهقه.
الاستعداد لعيد الاستقلال يكون أيضاً داخل البيت، داخل المدرسة، داخل المؤسسة، يتهيَّأُ له المواطنون كما يتهيَّأُون للأضحى والميلاد والفطْر والفصح وأيّ عيد كبير آخر، قبل أن يَرَوا في الشارع الأعلامَ والزينةَ والصوَر، وقبل أن يُتابعُوا العرض العسكريّ على الشاشة وما يليه من تَهانئَ رسميةٍ وأنشطة.
يعبِّر المواطن عن فرحه بالاستقلال حين يشعر أنه هو أوّلاً معنيٌّ بهذا الاستقلال، وليس السياسيون فقط معنيين به وقوفاً لتقبُّل التهانئ، أو مصطفين في الصدارة خلال العرض العسكري.
عيد الاستقلال هو أولاً عيدُ المواطن اللبناني قبل أن يكون عيدَ السياسي الذي يَسُوسُ الوطن اللبناني.
عيد الاستقلال ليس في المظاهر بل في القلوب والنفوس.
هكذا يكون كلُّ يومٍ عيدَ الاستقلال.
وبِـهذا يكون عيدُ الاستقلال، فعلاً وحقاً، عيدَ الأعياد في لبنان.