هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

856: الحكومة الجديدة ونهر الكونغو

الحلقة 856: الحكومة الجديدة ونهر الكونغو
الأربعاء 11 تشرين الثاني 2009

أمّا والحكومة الجديدة خرجَت من بطن الحوت، بعد طول انتظار، وبعدَ ما رافقَ تشكيلَها من صبرٍ ويأس، من أملٍ وإحباط، وتسهيلٍ وعراقيل، فالأمر يأخذُنا الى حدَثٍ بعيدٍ عنا جغرافياً، قريبٍ منا تاريخياً، شبيهٍ لنا ظاهرةً طبيعية.
فالعالِم الأميركي تِد غاردِنِر (مدير مركز معلومات المناخ في آشڤيل- نورث كارولاينا)، المغامر في سبيل العلْم والاكتشافات العلمية، غامرَ تحت الخطر الشديد في الغوص على نهر الكونغو لاستبيان أجناس بحرية ونهرية جديدة غيرِ معروفة بعد. والخطورة في عمله أن نهر الكونغو هو أعمقُ نَهرٍ في العالم، إذ يبلغ عمقه في أسفل نقطة منه 640 قدماً ( نحو 220 متراً)، ويبلغ طوله نحو 3000 ميل انطلاقاً من أفريقيا الاستوائية، وصَبّاً في ضفاف المحيط الأطلسي، وهو يتدفَّق بحجم مليون وربع مليون قدَم مكعب في الثانية (ما يملأ في الثانية الواحدة ثلاث عشرة بركة سباحة أولمبية ضخمة).
هذا النهرُ العريقُ القِدَم، الغنيُّ الدفق والكنوز في باطنه وعمقه، الزاخرُ بأجناسٍ كثيرة من عائلات الأسماك النهرية والبحرية، المكتنِزُ في قلبه تراثاً مائياً سحيقَ القدم وبعضُه غيرُ مكتشَفٍ بعد، تَمَكَّن فريقُ تِد غاردِنِر من الغوصِ فيه واكتشافِ أجناسٍ جديدةٍ من الأسماك، كشَفَت منها ستةً قبل فترةٍ العالِمة ميلاني ستياسْني (المسؤولة في المتحف الأميركي للتاريخ الطبيعي) وتوصَّل غاردِنِر الى اكتشاف مزيدٍ منها في مغامرته الأخيرة قبل أيام، عملاً بِمقولة داروِن، في كتابه “أصل الأجناس”، من أن “جينات الأجناس تنتقل من بقعة الى أُخرى بحسب البيئة التي فيها تعيش”.
الى أين من هنا؟ وما علاقة الحكومة الجديدة بنهر الكونغو الأعمق في العالم؟
إنها حكومةٌ جديدةٌ بنتُ لبنان العريقِ في القدم، الوطنِ الذي لا يزال يكتشف العلماء في تاريخه وجغرافياه جديداً من الأجناس الحضارية والتاريخية النادرة، ما يفترض بالحكومة الجديدة أن تُضيءَ عليه بإنجازاتِها الحاضرة والمقبلة كي تكون على مستوى عراقةِ لبنان وفرادتِه وتغايُرِه وتَمايزِه.
وإذا كانت الأجناسُ السمكية في نهر الكونغو العميقِ القرار منقسمةً الى فئاتٍ وعائلات ومناطق مائية مختلفة، لكنها تشكّل معاً أسرة واحدة يَغْنى بها نهر الكونغو، فالأحرى بأعضاء حكومتنا الجديدة، الآتين من فئاتٍ وعائلات ومناطق مختلفة، أن يشكّلوا معاً أُسرةً مواطنية واحدة تعمل لِهدف واحد، كي يظلّ لبنان، العميقُ القرار في التاريخ والجغرافيا، نَهراً حضارياً دائماً يتدفَّق من عمقه الغَني ويَجري من ضفاف المغايرة الى ضفاف الابتكار، فتكونُ حكومته الجديدة على صورته ومثاله، تواصل اكتشافَ كلّ جديدٍ فيه ومفيد، وتنقذُ لبنان: من بُحيرة كبيرة آسنة، الى نَهرٍ متجدِّدٍ دوماً بكل عميقٍ جديد.