هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

843: تفسيرُ الألوان على غير معانيها

الحلقة 843 : تفسيرُ الألوان على غيرِ معانيها
لـيوم الأحد 27 أيلول 2009

الحدثُ العالَمي، اليوم الأحد، في لبنان: انطلاقُ “الدورة الدولية السادسة للألعاب الفرنكوفونية”. وهي جاءَتْنا، بعد تحضيرِ أشهُرٍ طويلة، حاملةً إلينا مروحةَ ألوانٍ بَهيجةٍ جميلةٍ، ذاتِ معانٍ ومغازٍ حضارية، خمسَةَ ألوانٍ للقارات الخمس، تَتَمَهْرَجُ في أرضنا وشعبنا وأنشطتنا، بزوّارها ولاعبيها والمشاركين فيها طوال أيام هذه الدورة.
هذه المروحة اللونية تقودنا الى الكلام على الألوان نفسها، معانِيَ وفلسفةً وتفاسيرَ واستغلالاً.
فالألوان تنطلقُ أساساً من ثلاثة أصلية: الأحمر، الأصفر، والأزرق، وتتفرّع عنها ثلاثةٌ ثانويةٌ هي البرتقاليّ (من مزج الأصفر والأحمر)، والأخضر (من مزج الأصفر والأزرق)، والبنفسجي (من مزج الأحمر والأزرق). ومن تلك الأصلية وهذه الثانوية، تنبثق سائر الألوان بفروقاتها وتنويعاتها الكثيرة.
غير أن تفسير الألوان ليس دائماً في جوهر اللون. فبين الأَسود والأبيض ليس ما بين الشر والخير. والأَسود المعتَبَرُ لونَ الشرّ والقتامة والحِداد والتشاؤُم والأمداء المقفلة، هو نفسُه لونُ الأناقة والجمال ومزجِ جميع الألوان معاً، وهو لونُ الليل صديقِ الشعراء والحالِمين والرومنسيين والمغنّين الذين لا ينفكّون ينادونه: “يـاااااااااا ليل”.
والأبيضُ الذي هو لونُ الخير والثلج والنقاء والصفاء ولون النهار، ليس دائماً كذلك، لأن في النهار شروراً تَحصَل وجرائمَ تُرتَكَب، والثلجُ الأبيض قد يكون عاصفاً أو مؤذياً أو قاتلاً أو شريراً، والأبيض أصلاً هو لونُ النقص بغياب الألوان.
من هنا خطأُ التعميم في تفسير الألوان وفلسفة جوهرها. فلتؤْخذ على بساطتها وجمالها، لتكون جامعةً مروحةَ الجمال والدفءِ والإلفة، من دون تفسيراتٍ شخصيةٍ وشخصانيةٍ لَها، ومن دون إسقاطاتٍ عليها تَجعَلُها مُفَرِّقةً وداعيةً الى هوية سياسية أو حزبية أو فئوية أو اصطفافية، كما يَحصَل عندنا في لبنان، بعدما تَوَزَّعَ السياسيون الألوانَ واصطلحوها، واعتَنَقُوها شعاراتٍ لهم ذاتَ دلالة، فاصطفّ تَحتها مَحاسيبُهم وأزلامُهم يتبَنَّونَها، ويتفرّقُون بسببها، ويَختصمُون لأجلها، وتَحت لوائها يتناحرون.
فَلْيَعِ شعبُنا أنّ مروحة ألوان السياسيين قادَتْهم الى لونٍ واحد: الأَسود، لا بأناقته وجماله وهيبته، بل بوجهه القاتم المأساويّ الفاجعيّ الضارّ، لأنّهم أوصلُوا شعبَنا الى السَّواد، وأدخلونا في نفقٍ مُظلمٍ، لا هُم يَخرُجون منه ولا الشعبُ يَملك طاقة الخروج.
ولْيَصْرُخْ شعبُنا: تراجَعوا جميعاً أيّها السياسيون، إمْحوا جميع الألوان التي تبنَّيتموها شعاراتٍ لكم، إغسلوا ريشاتكم من جديدٍ بِمياه لبنان النقية، وعُودوا الى القاعدة الأُولى، الى الأَلوان الأُولى، الى الأُصول الأُولى، الى القواعد الأخلاقية النبيلة الأُولى، وانطلِقوا منها الى مروحةٍ جديدةٍ من الألوان، تَكون فيها ألوانُ الفرح، ألوانُ السعادة والقِيَم والتاريخ الناصع.
وهي هذه، دون سواها، ألوانُ لبنان.