هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

814: كازينو صوفر الكبير… وخْيالُ الصبيّة الجميلة

الحلقة 814: كازينو صوفر الكبير… وخَيالُ الصبيَّة الجميلة
الأربعاء 17 حزيران 2009

أفتح اليومَ نافذةً في ذاكرة التاريخ والأدب والحياة، يدفعُني إليها منظرٌ موجعٌ ما مررتُ مرةً قدّامَه إلاّ واعتصَرَني واقعُه الحزين: جدرانٌ تترنّح كأنها تنتظرُ لحظةَ تنهارُ مُتداعيةً إلى ركام، أعشابٌ برية تطاولَت أشجاراً هوجاء، عفَنٌ صدِئٌ يتآكلُهُ حتى لَهْوَ هيكلٌ خالٍ حجريٌّ أصمُّ بعدما كان هيكلاً زائغاً للزهْو يضجّ بالفرح. إنه كازينو صوفر الكبير.
خلال اختياري نصوصاً لختام سداسية أمين الريحاني (“مركز التراث اللبناني” في الجامعة اللبنانية الأميركيةLAU) مرّ في كتابه “قلب لبنان” فصل “القصر المنيف”، فقرأْتُ: “إنها صوفر. المحجة القصوى، مصيف أعيان بيروت، صوفر الشامخة الشيّقة ذاتُ القصور المنيفة، زهرةُ الاصطياف في لبنان، فيها فندقُ صوفر الكبير وداخلَه الكازينو مفخرةُ أعيان بيروت. وما كان يومئذٍ في لبنان غيرُ كازينو صوفر، ولا في بلدات الاصطياف في لبنان أكبرُ منه وأفخم. إنه القصر المنيف، روضتُه زاهرة، في وسَطها القصرُ وحوله مقاعدُ منتثرةٌ بين الأشجار السامقة يتوزع تحتها النزلاءُ إلى موائدَ مدوَّرةٍ بين الأشجار يشربون القهوة أو الشاي، وفي البهو الكبير موائد زُرقٌ جلس إليها لاعبو الپوكر بِسكونٍ ووقار وشيء بين الاثنين لا أدري ما أُسَمَيه. وفي هذا النّزل حضرتُ حفلةً راقصة لراقصين في ثيابهم الرسمية، وراقصاتٍ في أزياء پاريسية وفساتينَ مقوّرةِ الصدر (“ديكولتيه”)، وبقيَت لي من ذكريات ذاك القصر المنيف إحدى طيّبات الحياة”.
أَفتح ذاكرة التاريخ فأقرأ: “فندق صوفر الكبير نَزْلٌ تاريخيٌّ يضمُّ أول كازينو في الشرق الأوسط. بناه إبراهيم سرسق سنة 1885 على الطراز الإيطالي. فيه انعقد الاجتماع العربي الذي عنه انبثقت لَجنة عربية عسكرية مشتركة سنة 1944 شكّلت نواة “جامعة الدول العربية” في العام التالي 1945. وفي سجلّه نزلاءُ من مشاهير العرب والأجانب منذ مطلع القرن العشرين. كان الدخول اليه مَمنوعاً إلاّ بالثياب الرسمية. من أشهر نزلائه: الرؤساء إميل إده وبشارة الخوري وكميل شمعون، العاهل الأردني الملك حسين، الزعيم المصري سعد زغلول، وأمراء وفنانون عرب كبار”.
سياحياً، رخصةُ الكازينو في فندق صوفر الكبير تَحمل الرقم واحد، وهو أول كازينو في لبنان خلال فترة الحكم العثماني. ومنذ سنواتٍ بعيدةٍ كانت وزارة السياحة طالبَت بتصنيف هذا الفندق بناءً تراثياً وطنياً. هو ملكية خاصة لآل سرسق، آلَ بالوراثة اليوم إلى رئيسة “جمعية تشجيع حماية المواقع الطبيعية والأبنية القديمة في لبنان” (أبساد) الليدي إيڤون سرسق كوكرين التي مراراً وتكراراً ناشدت بلدية صوفر ترميمَ الفندق وإعادةَ تشغيله شرط المحافظة على طابعه التراثي. فكلفةُ ترميمه مرتفعة ومن هنا ضرورةُ أن تتولاّها الدولة عبر وزارة الثقافة، تنسيقاً مع البلدية، أو مع مستثمرٍ يُنعِشُهُ ويُحافظ على طابعه التاريخ الفريد.
وما أجمل أن يعودَ من الذاكرة فندقُ صوفر الكبير، كما في ذاكرة صبيةٍ جميلةٍ كانت تصطاف في جواره، وتقصدُه نَهار الأحد، فتعاين في بَهوه الأوركسترا تعزف، والرقصَ يدور، حديقتُهُ ملؤُها الحياة، وملاعبُه تضُجُّ بكرة الطائرة وكرة السلة وكرة المضرب، بُرْكَةُ السباحة فيه إلى لَهْوِ ومرح، والصبيّة واقفةٌ تتأمّل المشهد بعينَيها القمريَّتَين، يتراءى في خيالها غَدٌ لَها جميل، وهي تدخل الفندق صباحَ يومِ أحد، يطوِّقُ زَندَها الأبيضَ الطريَّ عاشقٌ يدخل معها بَهو الفندق الكبير بعد احتفال عرسهما الكبير.