هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

795: كذبة بيضاء عن ذهبٍ أسود في لبنان

الحلقة 795: كذبة بيضاء عن ذهبٍ أسود في لبنان
الأربعاء 8 نيسان 2009

طريفةً كانت كذبةُ أول نيسان التي نسبَت، الأربعاء الماضي، الى شركةٍ نروجية إعلانَها عن وجود البترول في أحدَ عشر موقعاً من أرض لبنان، بعد تنقيبات تقوم بِها الشركة في أرض لبنان منذ شباط 2008، كما تناقلت الخبرَ وكالات أنباء عالمية عن جريدة “لوريان لوجور” في بيروت، وهي عادت فأوضحت في اليوم التالي (الخميس) أن الخبر كان كذبة أول نيسان.
ولكنْ… بعيداً عن كذبة أول نيسان، ماذا لو أطلّ النفط من ترابنا، مُضيفاً كنْزاً جديداً الى ما فيه من كنوزٍ وحضاراتٍ وخصوبةٍ وطبقاتٍ تاريخية متتالية العهود والممالك، وعطاءٍ فريدٍ: أزهاراً وأشجاراً، فصولاً أربعة، بَحراً وثلجاً، سُهولاً وبقاعاً وبساتين، وينابيعَ مياه تنبجس في كل فلذة من أرضنا الطيّبة، وتروح تسرح سواقي وجداول، وتزخَم فتسيلُ روافدَ وأنْهاراً من أرضنا الى أَرضنا؟
ماذا لو طلع النفط في أكثر من منطقة في أرضنا (كما ادّعت كذبة أول نيسان) فلا يستأثر به أولو المنطقة الواحدة من نافذين أو سياسيين ناطرين ظاهرةً ما، كي يدّعوها ويتاجروا بِها ويسوّقوها لرصيدهم؟
ماذا لو يصبح لبنان بلداً نفطياً في بُقَعٍ من أرضه، فيتوحّد قلب أرضنا بالنفط تَحت التراب، ولا يعودُ فوق التراب مَن يقسِّم الأرض مقاطعات واقتطاعات وقطَعاً ومقطوعات ومقطَّعات وقُطُوعات ومقاطعَ يتقاطعُ على مساحتها سياسيُّون بنَوا عليها “غيتُوَات” كأنّ الأرضَ لَهم، وتَجزئتَها حقُّهم، والتصرُّفَ بتقطيعها رهنُ مصالِحهم يؤطِّرون فيها أزلامَهم والْمَحاسيب: هذه المنطقة مَحسوبةٌ على فلان، وتلك الناحيةُ مُمسِكٌ بِها فلان، وذاك الحيّ من أزلام فلان، وتلك البلدةُ تصُبُّ كلُّها في خانة فلان، فيكون السياسيون عندنا مقاطعجيين يَملكون الأرض ومَن عليها ويقسّمونَها كما يناسب مصالِحهم الانتخابية!!!
ماذا لو يوحِّدُ النفط أرضنا من جديد، وترابَنا من جديد، فيُعيدُنا الى وعْيِ أن نتمسَّك بأرضنا الواحدة الموحَّدة باطناً وظاهراً، لا نفرّط بِها ولا نفرِّطَ بنا؟
ولكن… إذا البترول (الذهب الأسود) كنْزُ الخليج ودولِ النفط في العالم، فنفط لبنان الحقيقيُّ هو إنسانُ لبنان المبدعُ الخلاّق، وهـوَ هُوَ ثروة لبنان الطبيعيةُ والتاريخية والإبداعية التي تضخُّ على العالم إشراقاتٍ جيلاً بعد جيلٍ وشمساً بعد شمس.
ليس لبنان في حاجة قصوى الى الذهب الأسود في أرضه كي يغنى، لأن ذهبه الحقيقي هو غناه بإنسان لبنان، وفرادةُ لبنان بِهذا الذهب أنْ ليس له آبار تفور يوماً وتغور يوماً وتنضب ذات يوم، إنما هو ذهب العقل اللبناني الخلاق الذي لا يولد في بئر ولا يحتاج مصافي، لأنه يولد مصفّى مشعاً في كيانٍِ لبنان مبدع لا ينضب ولا يغور.