هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

781: تصادمُ الكواكب سِلمياً… وتصادُم شوارعنا دموياً

الحلقة 781: تَصادُمُ الكواكب سِلْمِيّاً… وتَصادُمُ شوارعِنا دموياً
الأربعاء 18 شباط 2009

في عدد 15 نيسان المقبل من المجلة الإنكليزية الأُسبوعية العلمية العريقة “الطبيعة” (تأسست سنة 1869) ملفٌّ خاصّ عن تَصادُمٍ بين عناقيد الكواكب في الفضاء الخارجي، وهو موضوع يشغل مؤخَّراً علماءَ الفلك، بعدما بدأت تظهر صُوَرُ شعاعاتٍ وتشظّياتٍ عند كل اصطدام. واكتشفت العالِمة آدريانّا كُول (من جامعة سان فرنسِسكو) أن هذا التصادم يحصل مرةً كل نَحو مليون سنة. وعند كلِّ تَصادُمٍ داخل عُنقود كواكب، تَحصل فجوةٌ سوداء هائلة بين الكوكبين.
ما يَهُمُّنا، تبسيطاً، من هذا الموضوع العلمي، أن الاصطدام ليس فاجعياً ولا مأساوياً ولا خَطِراً، كما يؤكد العالِم بورتيغيز زْوارت، بل هو “سِلميٌّ مُسالِم، فالكواكب ليست قنابل تنفجر فتتشظَّى وتؤذي بل هي كُرَاتٌ غازيّة كبرى، يقتربُ بينها كوكبٌ من الآخر فيتداخل شكلُهما حتى يكاد واحدُهما يذوب في الآخر، وقد ينجم عن تَداخُلِهما شكلٌ جديدٌ أو قد يذوب الشكلان معاً ويتلاشيان في الفضاء من دون أيّ انفجار، تاركَين مكانَهُما فجوة كبيرة سوداء”.
حادثةٌ أُخرى ذاتُ صلة، شغلَت العلماء في الرابع من شباط الجاري عندما اصطدمت الغوّاصتان النوَوِيَّتان الإنكليزية “Vanguard” والفرنسية “Le Triomphant” في عمق المحيط الأطلسي إذ كانتا في نوبة حراسة ومراقبة. وجرى ذلك “سلمياً” بدون مأْساةٍ ولا ضحايا، فتَمّ سحبُهما الى بلدَيهما لإصلاح ما أتلفه هذا الاصطدام الذي لم ينجُم عنه أيُّ خلافٍ بين فرنسا وإنكلترا.
تَصادمٌ ثالث لفَتَ العلماءَ أيضاً حين، في العاشر من شباط الجاري، اصطدم القَمَران الصناعيان الأميركي Iridium والروسيّ Kosmos في المدار الخارجي على عُلُوّ 776 كلم فوق شبه جزيرة تايْمير فوق سيبيريا، ونَجمت عن الاصطدام تشظّياتٌ تناثرت فوق سيبيريا من دون مأساةٍ ولا ضحايا، ولَم يُؤَدِّ ذلك الى خلافٍ بين روسيا وأميركا.
الشاهد من هذه “الاصطدامات الفضائية”، أنها حصلت في الفضاء الخارجي بدون مآسٍ وفواجع وضحايا، بينما في شوارعنا الأرضية تقع اصطداماتٌ بين أزلامٍ ومَحاسيبَ في أحداثٍ مسعورة تنجُم عنها مآسٍ وفواجعُ وضحايا تُوشكُ أن تُوقعَ لبنان في تلك الفجوة السوداء الهائلة التي تَحصل عند اصطدام كوكبين في الفضاء.
وإذا كان تصادُمُ “نُجوم الفضاء” سلمياً رحوماً عالياً، فلماذا لا يكون سلمياً عالياً هكذا اصطدامُ “نُجومِ السياسة” عندنا عبر أزلامهم، عوض أن “يوعزوا”، أو “يأْسفوا”، أو “يستنكروا”، بعدما يكون سقط من سقط، واغتيل من استُشهد، واحترقَت قلوبٌ وانفجرَت دموع!!
العالَم المتحضِّر ينشغل بتصادمات سلميَّة بين الكواكب والأقمار في الفضاء الخارجي والغواصات في عمق المحيطات، ونَحن على الأرض تتصادم شوارعُنا دموياً فتكون فواجع، وتكون هَزَّاتٌ أمنيّة، وتكون مـآتِـم ودُموع!!
فلماذا لا نرتفع بأعيننا الى الفضاء الوسيع، ويكون التصادُمُ اختلافاً في الرأي راقياً ولائقاً، على صورة اختلاف كبار اللبنانيين في تاريخ لبنان؟