هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

778: حين السياسيُّون يهزأون من الشِّعر

الحلقة 778: حين السياسيُّون يهزأون من الشِعر
الأحد 8 شباط 2009

لم يكن ليَعنينا التزاحُمُ على التشاتُم بين أهل “بيت بو سياسة”، من متراسٍ إعلامي الى آخر، من منبر دُيُوكيّ الى آخر، ومن مؤتَمرٍ صحافي الى آخر، لو لَم يصدر مؤخراً على لسان بعض العباقرة منهم كلامٌ أرادوا به تعيير أخصامهم السياسيين وتسخيف كلامهم فنعتوه بأنه… “كَلام شعر”.
قالوها بازدراءٍ، كأن الشِعر سَقْطُ الكلام يُنعَت به كلُّ كلامٍ هوائيٍّ سخيفٍ لا معنى له.
طبعاً لا نقيس عليهم، هؤلاء، فَهُم أولاً أجهلُ الجاهلين بالشعر، وهُم ثانياً آخِر من يستاهلون الكلام على الشعر، وهم ثالثاً وعاشراً وأخيراً خاضعون لقاعدة “ليس الْمُهِمُّ ماذا يقال، بل مَن يَقولُ ماذا”.
من هنا يظهر أن كلامهم على الشعر هو الساقط، لا أنّ الشعر هو سقْطُ الكلام. وسقوطُهم علامة أُخرى من عناصر سقوط لبنان السياسي في أيدي من أَوصَلُوه الى أن يكون شحّاداً على أبواب “الدول الْمانِحة”، وساحةَ تَجاذُب مُخابراتية وأمنية وعسكرية وسياسية للدول الطامعة والدول الطامِحة، وجعلوه أن يكون وطناً يُنتِج أدمغةً ويُصدِّرها الى دول العالم.
إن التاريخ يلفظ أولئك السياسيين من ذاكرته، ويُبقي على المبدعين علامات الزمن في كل عصر وذاكرة. فالوطن لا يقوم على خُطَب سياسييه، ولا على مواقفهم، ولا على عنترياتِهم الدونكيشوتيّة الكاريكاتوريّة العابِرة الزائلة، بل يقوم الوطن على نتاج مبدعيه: شعراء وأدباء ومؤلّفين موسيقيين ومسرحيين ورسامين ونَحّاتين ومن إليهم.
هكذا، مثلاً، نَجد أنّ أفضل كتاب صدر في باريس عن الشعر الفرنسي هو كتاب “أنطولوجيا الشعر الفرنسي”، وضعه خليفةُ ديغول الرئيس الفرنسي جورج پومپيدو.
وعلى ذكر ديغول: كان يوماً يدشِّن مبنىً حكومياً على مدخله بيتانِ من الشعر. وقبيل البداية جاء عرّيف الاحتفال يعتذر من ديغول عن كون الحفّار أغفل اسم الشاعر تَحت البيتين، فعاجله ديغول باعتزاز الفرنسي الفخور بتراث بلاده الشعري: “لا يا ابني، لَم يَنْسَ الحفارُ حفْرَ اسم الشاعر، بل أنا طلبتُ ألاّ يَحفُرَ الاسم، لأن الفرنسيَّ لا يعرف أنّ هذين البيتَين الشهيرَين هُما لڤيكتور هوغو، لا يستحقُّ أن يكون فرنسياً”.
هكذا يقدّر رجالُ الدولة الكبارُ شعر بلادهم وشعراء وطنهم.
هكذا تبني الدولُ مَجدها على تراث مبدعيها لا على زَبَد سياسيّيها.
بينما عندنا، يتنطّح سياسيون للشعر بازدراء، فيَظهرُ لا كم انهم يَجهلون شِعر لبنان وشُعراء لبنان، بل كم انهم يَجهلون لبنان، ولا يستحقُّون لبنان.
ويا تعْسَ وطنٍ يَسُوسُه من يَجهَلون إِرْثَه، ولا يعرفون مُبدعيه.