هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

748: رأيتُ في الإسكندرية

الحلقة 748: رأيتُ في الإسكندرية
(ليـوم الأحد 26 تشرين الأول 2008)
الإسكندرية

فيما كنتُ أتأمّل سقف مسرح سيد درويش في الإسكندرية، وأقرأُ على شكله البيضاوي أَسماء عباقرة الموسيقى الخالدين: موزار، فيردي، فاغنر، برليوز، بيزيه، وروسيني، قاطعني شابٌّ لبنانيُّ اللهجة، سرعان ما عرّفني به أنه القنصل العام للبنان وعميد السلك القنصلي في الإسكندرية نضال يحيى.
غنمتُ من وجوده معي في المسرح، قبل انفتاح الستارة، لأستفسر منه عن لبنان في الإسكندرية، راوياً له ما كان معي من نوستالجيا لبنانية عن أثر اللبنانيين في القاهرة، خلال الحديث على شرفة السفير اللبناني في مصر الدكتور خالد زيادة (كما مرَّ في الحلقة الماضية من “نقطة على الحرف” صباح الأربعاء الماضي).
وانطلق قنصلنا اللبناني العام في سردٍ مشرقٍ لأثر اللبنانيين في الإسكندرية، وروى لي بِحماسة لبنانيةٍ أن الحضور اللبناني في الإسكندرية يعود الى سنة 1840 حين جاء محمد علي باشا من لبنان بنخبة لبنانيين بارعين في الزراعة، كي يطوِّروا الزراعة في دلتا النيل، كما جاء بِخبراء لبنانيين في تربية دود القز كي يشجع هذه الصناعة كما رآها مزدهرة في لبنان أيام حملته الشهيرة.
وبعدها توزّع اللبنانيون من الإسكندرية الى المنصورة ودمياط، لكنّ الإسكندرية ظلّت مركز تجمعهم الأكبر.
ومن أسبق العائلات اللبنانية الى الإسكندرية: آل صيدناوي، وآل سرسق (وعلى اسمهم اشتهر في الإسكندرية قصر سرسق المبنيّ سنة 1886)، وآل لطف الله (ومنهم الأمير جورج لطف الله)، وآل بسترس، وآل باسيلي، وآل كرم، وآل زغيب، وآل قرداحي (ومنهم جورج قرداحي الذي بنى على حسابه صرح دار أوبرا الإسكندرية وقدمه هدية لصديقه الملك فؤاد الأول)، وآل النقاش، وآل شلهوب (ومنهم ميشال شلهوب الذي أصبح في ما بعد الممثل عمر الشريف)، وآل دو صعب، وآل شاهين (ومنهم المخرج يوسف شاهين)، وآل إده (ومنهم والد الرئيس اللبناني إميل إده)، وآل الجميّل (ومنهم الشيخ بيار الجميل جدّ المؤسس الشيخ بيار الجميل وكانت عمارة الجميّل في الإسكندرية من أبرز المعالم المعمارية في المدينة). وثمة لبنانيون كثيرون وُلدوا في الإسكندرية قبل عودتِهم الى لبنان، ومنهم السيدة إيريس زوجة الرئيس السابق سليمان فرنجية.
ولا يزال اللبنانيون في الإسكندرية حتى اليوم، وهم في حدود اثني عشر ألفاً، يَعملون ويُنتجون ويَزرعون في مُحيطهم القِيَمَ اللبنانية التي تَجعلهم موضع ثقة المصريين عموماً والإسكندرانيين خصوصاً، ومعظمهم كانوا ذوي مكانة راقية بارزة، وإن تكن أثَّرت على بعضهم عملية مصادرة الأملاك بالتأميم الذي أجراه الرئيس المصري جمال عبدالناصر سنة 1961.
تضرب إدارة المسرح ضرباتِها الثلاث إيذاناً بقرب ارتفاع الستارة، فأُتابع مع القنصل العام اللبناني العرضَ اللبناني، من “كورال الفيحاء”، وفي بالي طوال العرض خيالاتُ لبنانيين انتشروا في العالم وبرعوا وتركوا بصمةً لا تُمحى، كما هنا في الإسكندرية، ليَصُحَّ فيهم قول جبران إن أبناء لبنان “هم الذين يولدون في الأكواخ ويَموتون في قصور العلم، وهم السُّرج التي لا تطفئها الرياح، والملح الذي لا تفسده الدهور”.