هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

738: الكوتا النسائية واجبٌ لا مِنّة !

الحلقة 738: الكوتا النسائية واجبٌ لا مِـنَّـة !
(الأحد 21 أيلول 2008)

هل يكفي تبجُّحُنا نظرياً بأنّ إليسّا بانيةَ قرطاجة هي ابنةُ ملك صور التي من لبنان؟
وهل يكفي تبجُّحُنا نظرياً بأنّ أوروبَّ التي خطفها زوس عن شطّ صور هي ابنة لبنان التي أعطت اسمها لقارة العقل أوروبا؟
وهل يكفي تبجُّحُنا نظرياً بأنّ “الستّ نسب”، والدةَ العظيم فخر الدين أولِ باني استقلال لبنان، هي المرأةُ اللبنانية المثال؟
وهل يكفي تبجُّحُنا نظرياً بأنّ في مَجلسَي النوّاب والوزراء عندنا نائباتٍ ووزيراتٍ أُسوةً بباقي الدول الراقية؟
وهل يكفي تبجُّحُنا نظرياً بأنّ لدينا في مراكز الفئة الأُولى سيّداتٍ نعتزُّ بأدائهنّ الممتاز المتفوّق على الكثيرين من الرجال؟
ليس يكفي كل هذا، طالما التعامل مع المرأة عندنا ما زال ينطلق من منطق المجتمع الذكوري الذي “يسمح” للمرأة بالتبَوُّؤ، كأنّ تَبَوُّءَها مِنّةٌ من الرجل، أو سَماحٌ لَها بِمنصبٍ تتبوَّأُهُ، بدفعٍ أو بوراثةٍ من زوجٍ أو أخٍ أو والدٍ أو نسيبٍ أو زعيمٍ سياسي.
المطلوب، أن يكون للمرأة حضورُها السياسي بِمَن هي هي، لا بِمَن تنتسبُ إليه من أفراد عائلتها أو مُحيطها السياسي.
اللواتي عندنا في المناصب الإدارية، تَبَوَّأْنَها بِجدارةٍ إدارية. المطلوب أن يتبوّأن المناصب السياسية بِجدارة سياسية.
وهذا الأمر لن يَحصل طالَما الرُّجل هو الذي “يَمُنّ” أو “يُتيح” أو “يَسمح” أو “يرشّح” أو “يدعم”.
هذا الأمر يَحصل حين يَدخل في صُلب التشريع اللبناني إلْزام وجود كوتا مُحددة مشرِّفةٍ المرأة اللبنانية، وحقَّها في الترشُّح للمناصب السياسية بِمن هي هي، وبِجدارتها هي، لا بقوّة مَن تُمثّل من الرجال في مُحيطها العائلي أو الزعاماتي. بمعنى آخر: المرأة التي تترشَّح هي بِما لديها من كفاءات وسيرة ذاتية وإنجازات، لا بالرجل الذي يرشِّحها أو يعرقل وصولها.
وهذا يتطلّب أن يشرّف لبنان توقيعه سنة 1996 على الاتفاقية الدولية لإلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
وهذا يتطلّب اعتماد نسبة الكوتا المتعارف عليها حتى اليوم في أربع وثَمانين دولة من العالم المتحضِّر الراقي المتطور.
وهذا يتطلّب تثبيتَ ما بلغتْه المرأة اللبنانية من حقوق منذ إقرار حقِّها سنة 1952 في الترشُّح والاقتراع.
وهذا يتطلّب تشريف الحكومة اللبنانية التزامَها، بعد مؤتمر بكين الشهير سنة 1994، بكوتا 30% للمرأة من مقاعد المجلس النيابي في دورة 2005، وها نَحن اجتزناها ولم نلتزم، واليوم تُهيّئ لجنة الإدارة والعدل النيابيةُ قانون الانتخاب قبيل دورة 2009، ولا تبدو طلائع التزامها بِمقررات مؤتمر بكين.
إنّ الصرخة التي تطلقُها عاليةً “الهيئةُ الوطنية الداعمةُ الكوتا النسائية” و”لجنة حقوق المرأة اللبنانية” ومعها هيئاتٌ نسائيةٌ رصينةٌ كبرى في طليعتها “المجلس النسائي اللبناني” (الذي يضمُّ ما يزيد عن 160 جمعية نسائية من كل لبنان)، هي صرخةٌ يَجبُ ألاّ تبقى نظريةً يوتوبية طوباوية رومنطيقية عابرة، بل يَجب أن تتفعّل في قانون واضح حازم حاسم، يُخرج المرأة من ربقة الرجل الذي “يتيح” لها، أو “يسمح” لها، أو “يَمُنّ” عليها بِمنصب سياسي بل “هي” التي تبلغه بِجدارتها وإنجازاتها وكفاءاتها التي أثبتت أنها في مواضعَ كثيرةٍ أجدرُ من الرجل.
المرأة اللبنانية وجهٌ حضاري للبنان، منذ سحيق التاريخ، فلْنُثْبِتْ أننا نستاهلُها، هذه التي شاركَت، فعلياً لا تنظيرياً، في صنع تاريخ لبنان.