هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

732: تذكارُ الفنان بين أرمينيا ولبنان

الحلقة 732: تذكارُ الفنان بين أرمينيا ولبنان
الأحد 31 آب 2008
يِرِڤان – أرمينيا

حين دعاني قائد “كورال الفيحاء” المايسترو باركيڤ تَسْلاكيان للسفر مع الكورال الى أرمينيا، توقَّعتُ أن يكون البرنامج كلُّه أغاني أرمنية، طالَما أنه هو أرمني والعرض سيكون لجمهور أرمني.
غير أنّ البرنامج لم يتغيَّر عما كان في لبنان: أعمال غنائية لبنانية كلاسيكية وأخرى سورية وعراقية وأندلسية ومصرية وغربية، الى الأرمنية المعتادة في ريپرتوار “الكورال”. وعاينتُ هنا كيف الجمهورُ الأرمني لم يكن يتفاعل مع الأعمال الأرمنية أكثرَ منه مع غير الأرمنية، بل كان على حماسةٍ متعادلة مع كلّ مقطوعة يسمعها، وعند نَِهايتها تتعالى صيحات “براڤو” ودقائقُ طويلةٌ من التصفيق كانت أحياناً تُربك القائد من تكرار انْحناءاته الشاكرة، والجمهور لا يزال يصفّقُ ابتهاجاً وتقديراً.
وفي جميع العروض التي قدّمَتْها “كورال الفيحاء” هنا في أرمينيا: من العاصمة يِرِڤان الى مدينة غومري الى مدينة شوشي الى مدينة ستيپاناكيرت (عاصمة ناغورني كاراباخ) لفتَني بين الحضور وجودُ أولاد بين منتصف العقد الأول ومطلع العقد الثاني، يُنصتون في انتباهٍ كأهلهم الكبار، ويصفّقون بِحماسةٍ كأهلهم الكبار، مع أن البرنامجَ غيرُ قصير، ومعظمَ الأغنيات غيرُ أرمنية. وحين ساررتُ بذلك توماس آينتابيان (مدير “مركز ناريغاتسي للفنون”) أجابني بتلقائيةٍ أن “الأرمن يُنشئون أولادهم منذ الصغر على حضور احتفالاتٍ موسيقية ومعارض رسم ونَحت ومسرحيات أطفال، غنائية ومسرح دمى، وأفلام سينمائية وأفلام فيديو كي يكبروا مغمَّسين في الجو الفني الراقي، فتتهذَّبَ نفوسُهم وعقولُهم وأذهانُهم وذاكرتُهم منذ الصغر، حتى إذا كبروا انعكست ذائقتُهم الفنية على سلوكهم الاجتماعيّ والتربويّ فيُنشئون هم بدورهم الجيلَ الجديد من أولادهم بعدهم. لذا يندُر أن يكون في أرمينيا بيتٌ ليس فيه پـيانو او كمان أو آلةٌ موسيقية أخرى أو أدواتُ رسم أو هوايةٌ فنية أُخرى”.
وحين سألْتُه عن هذا الذي على اسمه المركزُ ذو الفروع في كلّ أرمينيا، قال إنه كريكور ناريغاتسي (كاتب وفيلسوف من القرن العاشر، احتفلوا قبل سنواتٍ بمرور ألف عام على وفاته). وعن الصالات المتعددة في هذا المركز قال إنها بين صالة معارض وقاعة موسيقى حُجرة وعروضِ كورالات، وصالة كونشرتوات متوسطة، وأخرى كبيرة، وجميعها مُجهَّزةٌ هندسياً لتكونَ العروضُ بلا ميكروفونات، ويصلَ الصوتُ الى كل القاعة متوازياً متساوياً لِجميع الحضور. وختمَ بأنه وجدَ صعوبةً في تعديل روزنامته كي يَجد بين مواعيد حجز القاعة موعداً لأمسية “كورال الفيحاء”.
وفيما تابع مُحدّثي كلامَه على الحشود الكثيفة الليليّة في صالات المركز، أخذني تفكير موجِعٌ الى عندِنا، الى بيروت، الى الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية وشقيقتها الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، وأمسياتِهما الموسيقية التي يروح مؤسِّسهما الدكتور وليد غلمية يبحث لَهُما كلَّ بدايةِ موسمٍ عن مكانٍ لتقديم عروضهما، كالبدو الرُّحَّل، بين مسرحِ جامعةٍ وبَهوِ كنيسة، فيما الدولة غافلةٌ عن ذلك وتتشدّق بـ”داون تاون” للعاصمة بيروت، فيه جميع معالِم الاستهلاك التجاريّ والعقاريّ، وليس فيه صالةٌ واحدة لِمسرحٍ أو موسيقى مُجهَّزةٌ وفقَ المواصفات التقنية والفنية المعروفة في مَعالِم الثقافة. ذلك أن دولتَنا الشوساء مشغولةٌ بالشؤون السياسية، و”مُناطحات” بيت بو سياسة، وليس لديها وقتٌ كي تشتغل في الثقافة.