هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

728: قرصة الكهرباء وقرصنة أصحاب المولّدات

الحلقة 728: قرصة الكهرباء وقرصنة أصحاب المولّدات
(الأحد 17 آب 2008)

يئنُّ الشعبُ اللبناني طويلاً، منذ سنواتٍ طويلةٍ مطاطة مرهقة مضنية قاسية، من انقطاع التيار الكهربائي بشكل متواصل أو شبه متواصل أو عشوائي. ويئنُّ في الوقت نفسه من فواتير كهرباء تتجمّع شهراً بعد شهر، لتأتي رزمةَ فواتير يَحملها عتريس شركة الكهرباء مهدِّداً متوعِّداً بقطع التيار إن لم يدفع المستهلكُ الهالكُ الهلكانُ على باب الفقر والعوز.
تعويضاً عن قهر الكهرباء، وجد الشعب اللبناني، ذات فترة، تعزيةً في مولّدات كهربائية جعلته لا ينام في العتمة، ولا يرمي مُحتويات البراد في النفايات، ولا يَموت من بردٍ وحَرٍّ بفضل مكيفات تديرها المولّدات.
غير أن هذا المبرد الصامت الذي يلحَسُه الشعب اللبناني منذ سنوات، وينْزف لسانُه عليه من دون أن يشعر شهراً بعد شهر، ويأتي جابي المولّدات هاشاً باشاً في آخر الشهر، فيدفع له المستهلك هاشاً أقل وباشاً أقلّ، لم يعُد مبرداً يَلْحَسُهُ المواطن اللبناني فيَبري عليه لسانه تدريجاً، بل بات سيفاً مُصْلَتاً على رقبة المواطن، وخنجراً مسنوناً في وجه المواطن، وكرباجاً مسنّناً على جسد المواطن، وبات جابي المولّدات ورقة نعْي آخر الشهر، يدفع له المواطن الفاتورةَ مَمزوجة بشتائم يكيلُها لِجلاّد المولدات بل قرصانِها.
وفيما يدفع المواطن كهرباءه مرّتين: مرّةً لشركة الكهرباء، ومرّةً لقرصان المولدات، وفيما يدفع الشعب اللبناني مياهه ثلاثاً: مرةً لشركة المياه، ومرةً ثانية لصهريج الماء، ومرةً ثالثة ثمن المياه المعدنية في القناني، يَجد المواطن أنه مَحشور في زاوية من القهر والكبت والاستغلال، ولا يَملك إلاّ أن يدفع ثَمانين دولاراً لخمسة أمپيرات، ومئةً وستين دولاراً لعشرة أمپيرات، ومئتين وأربعين دولاراً لخمسة عشر أمپيراً إذا كان بيتُه كبيراً وعائلتُه عديدة وحاجتُه الى الكهرباء عالية.
يعني أن راتب المواطن اللبناني بات مرصوداً على قراصنة المولّدات الذين لا يبدو رادعٌ لهم من الدولة، ولا من البلديات التي يتمنى المواطنون أن تتولَّى هي إدارةَ المولدات وتوزيعَها مع ما يترتّب لها من رسومٍ على كل اشتراك.
مهما يكن ثَمن المازوت الذي يأتي به قرصان المولدات، ليس ارتفاعُ ثَمنه بنسبة ما هو يَجْلُد مشتركيه في الحي، ولا نعرف إن كان هذا القرصان يدفع ضريبةَ دخلٍ على جبايته الباهظة كلّ شهر، هو الذي تبلُغ أرباحه طائلةً كلّ شهر، على حساب جَلْدِ المواطن، وراتبِ المواطن، وتعتيرِ المواطن الذي بات قرصان المولّدات يشاركه كلَّ قرش من مدخوله المحدود، فيجد المواطن أنه مصلوب بين قرصة انقطاع الكهرباء وقرصنة أصحاب المولّدات.
لا أعرف أيَّ وزير يعني هذا الأمر، لكنني أعرف، وأَسْمع من الكثيرين الساخطين الموجوعين، أنّ تِجارة المولِّدات باتت قَرصَنَةً وقِحَة، وأنّ قراصنة المولّدات لا وازعَ لهم، ولا رقيبَ عليهم، ولا حسيبَ يراقبهم أو يشرف على مداخيلهم وتسعيراتهم.
هذه القرصنة، مع الحكومة الجديدة، يَجب أن تتوقَّف، لأنّ مشكلة الكهرباء ستطول، ولأنّ قراصنة المولّدات يَجب ردعُهم وزجرُهم ومُحاسبتُهم، إلاّ إذا كان بعضُ هؤلاء القراصنة، يؤدون جزيةً الى … قراصنةٍ مستورين.