هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

727: صورة لبنان في الخارج من مناقشة البيان الوزاري

الحلقة 727: صورة لبنان في الخارج من مناقشة البيان الوزاري
الأربعاء 13 آب 2008

قبل أيام، حين زار لبنان رئيس البرلمان الأوروبي، كان في إحدى زياراته وعلم أنّ طالبي الكلام نصف نواب الوطن، والوقتَ المعطى للمتكلم نصف ساعة إذا نصه مكتوب، وساعة إن كان سيرتجل. فوسعت عينا الضيف الكبير وقال معلّقاً: “عندنا يعطى النائب سبع دقائق فقط حداً أقصى للكلام والمناقشة. فأَيُّ غنى ديمقراطيّ لديكم أيها اللبنانيون أن يتحدث النائب عندكم ساعة كاملة يفصّل خلالها البيان ويفنّده ويناقشُه ويصوّب ما فيه”.
انتهى كلام رئيس البرلمان الأوروبي. ومن حسن حظّه وحظّنا أيضاً أن يكون غادر وانشغل في زياراته الأخرى ولم يتابع جلسات ساحة النجمة.
فاللبنانيون الذين تابعوا مناقشات البيان الوزاري ثلاثةَ أيام”الكباش” الكلامي في مجلس النواب، قبلوه أو رفضوه، صاروا معتادين (خصوصاً في السنوات الأخيرة) على كرنفال التشاتمات المتبادلة، والتهم المتبادلة، والتخوينات المتبادلة، والمتاريس المتقابلة بين منبر ومنبر، بين وسيلة إعلامية وأخرى، بين تصريح ناريّ وآخر بركاني، بين حديث صحافي وردّ المكتب الإعلامي عليه.
ولكن، ما هي الصورة التي كوّنَها اللبنانيّون في الخارج، من جلسات مناقشة البيان الوزاري؟
وأقصُد بالذين في الخارج، مَن هُم في بلدان راقية حضارية ديمقراطية، فيها موالاة ومعارضة، فيها نواب ينتقدون ونواب يصوّبون ونواب يصحّحون، فيها أحزاب متنافسة، وليس فيها توتاليتاريا سياسية أو حزبية أو أمنية أو هَيْمَناتيّة تَهويلية.
هؤلاء اللبنانيون في الخارج، حتماً تساءلوا: باسم مَن يتكلم هؤلاء الذين طلبوا الكلام وبلغوا نصف عدد النواب؟ وأيَّ فئةٍ من الشعب اللبناني يمثّلون؟ والذين لم يتكلّموا لماذا لم يتكلّموا؟ والذين تكلّموا لماذا استفاضوا الى هذا الحدّ، واحتدّوا الى هذا الحدّ في فضح مثالب البيان وتقصير الحكومة، ونقد بعض وزرائها، ومهاجمة بعضهم بعضاً تارة بأسلوب شبه لائق، وأطواراً بأسلوب شتّام، ثم في النهاية رفعوا أصابعهم أو أياديهم ومنحوا الحكومة الثقة؟
هؤلاء اللبنانيون في الخارج، حتماً لاحظوا أنّ الذين تكلموا واحتدّوا وهاجموا وانتقدوا وشتموا وردُّوا على الشتائم وسخِروا ونكّتوا وغمزوا مداورةً أو مباشرةً، ونفّسوا عن أفكارهم، وفرّجوا عن احتقاناتهم، إنما هم أفرقاء: منهم مَن تكلّم باسم سيّده أو زعيمه أو رئيس كتلته ودافع عنه وسوّق أفكاره ببغاوياً أو ترويجياً، ومنهم مَن تكلّم باسم الجهة التي يمثّلها وطرح أفكاراً لها (بعضُها معلّبٌ معروف وبعضها الآخر مقولب للمناسبة)، ومنهم مَن تكلّم “عَرْضْحالاتياً” لأنّ كاميرات التلفزيون مصوبة إليه وتالياً هذه فرصتُه ليترتّب وضعه الانتخابي في أيار المقبل (وحتماً لو لم تكن الجلسات منقولة الى التلفزيون لَما كانت ازدهرت عنده شهوة الكلام)، ويبقى قسم ضئيل جداً تكلّم من أجل تصويب مقاطع أو عبارات أو أفكار في البيان الوزاري.
لكن الصورة العامة التي انطبعت في أذهان الناس، وأذهان أبنائنا في الخارج، أنّ الذي سمعوه لا يعطي صورة ناصعةً عن لبنان، وخصوصاً عن طقم سياسي فيه يتنطّح ليَسوس البلاد، أي ليقودَها، أي ليوصِلَها الى الازدهار والتقدُّم والإنماء. لا يكفي، لإقناع أجيالِنا الجديدة والمهاجرةِ منها، أن نتشدَّق بالأغاني: “يا مهاجرين ارجعو، غالي الوطن غالي”. المهمّ أنْ نُثبِت لهم أنّ في الوطن قاماتٍ سياسيةً قياديةً غاليةً، تَجعله “غالياً” ومُطَمْئِناً أبناءَه المهاجرين.
وبين النوّاب الذين سَمعناهم في جلسات مناقشة البيان الوزاري، كثيرون لا تنطبق عليهم هذه المواصفات.