هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

719: الوزراء الجدد والوعود الطوباوية

الحلقة 719: الوزراء الجدد والوعود الطوباوية
الأربعاء 16 تَموز 2008

يومَ تولّى صديقي الدكتور غسان سلامة وزارة الثقافة، زرتُهُ مهنِّئاً، فكان مُشرقَ الوجه، مترجرجَ الصوت من حَماسةِ الشباب، متسارعَ اليدين في التعبير عن طموحه، متهافتَ الكلمات في سرد مشاريعِه الواعدةِ الموعودةِ لوزارة الثقافة. وما كاد ينتهي من إطْلاعي على ما يُخطّط له، حتى بادرني: “تَذَكَّرْ جيداً ما أَقوله لك: سأجعل من وزارة الثقافة أُمَّ الوزارات في لبنان”. وخرجتُ من عند صديقي غسان، منشرحَ القلب أن تكون وزارة الثقافة حظيَت بطموحاتٍ تَجعل الثقافة أهَميةً عضويةً في اهتمامات الدولة.
وراحت الأيام تَمُرُّ، وغسان سلامة يَمُرُّ من صعوبةٍ إلى أُخرى. ثُمّ انشغل بتحضير مؤتمر القمة العربية ومؤتمر القمة الفرنكوفونية، وغادر صديقي غسان الحكومة، دون أن ينجح بتَمرير هيكلية الوزارة في مَجلس النواب لتشريعها، ولا تزال الوزارة حتى اليوم بدون هيكلية مشرَّعةٍ في الدولة، ولا تزال وزارة ثانوية في قاموس السياسيين وأولي الأمر، ولا تزال تعطى جائزة ترضية لهذه الطائفة أو تلك، لهذه الجهة السياسية أو تلك، لهذه الاعتبارات أو تلك.
أَسوق هذه القصة ونحن اليوم أمام ثلاثة عشر وزيراً جديداً يدخلون الحكومة لأول مرة، بعضهم جاء مُختزناً خبرتَه السياسية ونضجَ عمله الاحترافي، وبعضهم الآخر يَحمل حَماسة الشباب وطوباوية الوعود والاندفاع إلى التغيير بـدمٍ جديدٍ نابض.
وفيما صدرَت عن بعض الوزراء الجدد تصاريحُ أُولى فاجأُونا بأنّها سياسية بَحتة لا علاقة لَها مطلقاً بالحقائب التي تولَّوها، نأمل ألاّ يصدر عن البعض الآخر تصاريحُ أُخرى تنضح بِحماستهم الطوباوية ووعودهم بتطوير وزاراتِهم، وجعلها في خدمة المواطنين على غير ما كان عهدها مع الوزراء السابقين.
وإننا، بدون أن نُخفّف من عزيمة الوزراء الجدد، وخصوصاً الشباب منهم، ومع آمالنا الكبيرة المرصودة عليهم أن يَحملوا دماً جديداً إلى الحكم، ونَهجاً جديداً في الحكم، وعلامةً زائدةً على الحكم، نتمنى عليهم أن يكونوا طوباويين أقل وعمليين أكثر، فيُنتجوا للبلاد إنْجازاتٍ تشهدُ لَهم، هم الذين نعرف كم سيصطدمون بالروتين الإداري، والتحالفات السياسية، والاعتبارات الانتمائية لديهم، ما سيعيق تَحقيقَ طوباوية وعودِهم وأحلامِهم وتصاريحِهم وحَماستهم، خصوصاً أن هذه الحكومة قصيرةُ العمر، عسيرةُ الولادة، قيصريةُ التشكيل، جاءت وفي ذهن معظم أعضائها لا أرقام ما سيحقّقونه من إنْجازات، بل أرقام بوانتاجاتِهم الانتخابية في أيار المقبل. ولو كان عندنا مبدأُ الفصل بين الوزارة والنيابة، لرفض معظم الذين في هذه الحكومة الدخولَ فيها.
لكأنّ الحكْم عندنا مرصود على خدمة الذات للانتخابات المقبلة، لا على خدمة السوى للأجيال المقبلة، وكأن الوزارات عندنا جسرُ عبور إلى مطامعَ سياسية، لا إلى مطامحَ بنائية لمستقبل لبنان.
أَلا قليلاً من الوعود يا وزراءنا الجدد (ونَحن معكم ونشُدّ على أيديكم) وكثيراً من الفعل! وحده الفعل يترك بعدكم بصماتٍ في وزاراتكم، كي لا تكونوا جئتم تنفيذاً لِمن جاء بكم، فتَخرجوا غداً من الحكم فارغي اليدين والذكْر، وتعودوا إلى أسيادكمُ الذين وزّروكم، وأنتم لا تَحملون من وزنات الحكم إلاّ الفراغَ والفشل.