هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

702: والذي عاد، لن يكون إلاّ لبنان اللبناني

الحلقة 702: والذي عاد، لن يكون إلا لبنان اللبناني
الأحد 18 أيار 2008

بِحقٍّ أو بغير حقّ، بصوابٍ أو بانفعال، بفعلٍ أو بِرَدّةِ فعل، ببُكاءٍ على شهيد أو بغليان الانتقام لشهيد، كان اللبنانيُّون، في العشرة الأيام الماضية، موزَّعي المشاعر: بين الحزنِ والغضب، بين القرَفِ واللعنة، بين بقاءِ الاصطفاف الببّغاوي رُغم ما حصل، ونشوبِ انتفاضةٍ عنيدة على كل ما حصل، بين مَن لا يزال يؤمن بزعيمه أو قائده أو مثاله السياسي الأعلى، ولو على خطأ، وبين مَن كَفَرَ بِهذا وذاك وذلك من السياسيين، ساحباً منهم ثقته وإيْمانه.
كلُّ هذا جرى في العشرة الأيام الأخيرة. واختلطَت المَشاعرُ بالمَشاعر، تضاربَت، تقاطعَت، تلاقَت، تنافَرت، تصالَبَت، تصلَّبَت، انْصلَبَت، صَلُبَت، بلغَت حدَّ اللارجوع، ثُم كان ما كان، وهدأ البركان، واحترق ما ومَن احترق، وأُريدَ للحِمَم أن تَهدأ، وذهب مصارعو الحلبة إلى حيثما يؤْمَلُ أن يعودوا معاً حُزمةً واحدةً للبنان، لا كما ذهبوا: فريقَين على لبنان.
وماذا الآن، ولبنان عاد من غربة عشرة أيام النار؟ إنه عادَ كي نعي أنّ الذي عاد يَجب أَلاّ يكون إِلاّ لبنان اللبناني.
الآن دورُنا نَحن، نَحن الذين ليسوا من ذوي القرار.
دورُنا أن نعي، ونتّعظ، ونتعلّم، ونفهَم كيف خَرَّبتْنا الاتّباعية والزبائنية والاصطفافية والغرائزية التي يرفع مُثيرُها أمراً فتهتاج، ثُم يُنْزِل أمراً فتهدأ.
دورُنا أن يكون أبناءُ الشعب هم قادةَ السياسيين فلا يعود السياسيّون يقودون الشعب من ورائهم والشعبُ صاغر، بل أن يصبح الشعبُ هو القائدَ، والسياسيّ هو المُتّبِع إرادةَ الشعب نَحو خلاص الشعب وخلاص الوطن.
في الحالات الصعبة، رغيف الخبز هو القائد. صراخ طفل جائعٍ، في بيتٍ جائع، هو القائد. عَجْزُ ولدٍ عن الذهاب إلى المدرسة، هو القائد. فماذا يفعل السياسيون من أجل شعبٍ أَمَّنَهُم وأَمَّنَ لَهُم وأَمَّن عليهم ليوصلهم، فـ إلى أين أَوصلوه؟
دور الشعب أن يقول “لا”، ليس للدولة التي باتت مكسر عصا السياسيين، بل أن يقول “لا” للسياسيين الذين جعلوا الدولة مكسر عصا.
دور الشعب الذي، أمام صندوقة الاقتراع يومَ الانتخاب، سيعاقب سياسيين كثيرين، عوض الانقيادِ وراءهم كالأغنام الصاغرة ولو إلى المسلخ.
دور الشعب أن يَفهم بأنّ لبنان لن يكون أندلساً ثانيةً، ولا فلسطينَ ثانيةً، ولا عراقاً ثانياً، ولن يكون بلداً منكوباً بالكوارث الاقتصادية والطبيعية ويدور يشحد فتافيت الإعانات من “الدول المانِحة”، بل لبنان منكوب ببعض من سياسييه ظلّوا يقودون الناس قطعاناً إلى أن رفضَهُم حتى المسلخ.
دورُ الشعب اليوم أن يَخافَ على لبنان، وأن يُحبّ لبنان، ويعودَ لينهضَ بلبنان حين تنفتح أمامه طرقات النهوض، وبِحُبٍّ كثير، وبعزمٍ كثير، وبإرادة كثيرة، وألاّ يُبقي أمامه من السياسيين إلاّ مَن أثبت فعلاً إخلاصَه للبنان، لبنان اللبناني، لبنان الشعب كلِّ الشعب، والأرضِ كلِّ الأرض، ومستقبلِ أجياله المُقيمة، وجذبِ طيوره المهاجرة، كي يعود لبنان إلى لبنان.
وعندها، عند وعْي الشعب هذه الحقيقةَ اللبنانيةَ وتَمَسُّكِهِ بِها في عِنادٍ وشراسة، الويلُ الويلُ لأيّ سياسيٍّ تكون وُجْهتُهُ الخفيَّةُ إلى غير لبنان اللبناني.