هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

700: بيروت الرهينة… بيروت الرّهان

الحلقة 700 : بيروت الرهينة… بيروت الرّهان
(الأحد 11 أيَّـار 2008)

الّتي أَحَبَّتْها أُمُّها ڤينوس فَسَمَّتْها پـيرويه لتكون نجمة البحر ولؤلؤته الغالية،
الّتي أحبَّها الإله إيل حتى تزوّجها كي يتنعّمَ بِمناداتها يا “زوجتي الإلهة بيروت”، وحين خاف عليها سلّمها الى إله البحر پـوزييدون ليحميها من كلّ غاصب، فأصبحت بيروتُ من يومها عاصيةً على كل غاصب،
الّتي سماها الساميون “بيريت” دلالةً على ما فيها من مئة بير وبير، ذات مياهٍ عذبةٍ سائغةٍ لكل وفِيّ،
الّتي، منذ خمسة آلاف سنة، مالئةٌ بِهَيْبَتِها شاطئَ فينيقيا، وواصلةٌ بِهَيْبَتِها شرقاً بغرب،
الّتي دلّت عليها أَلواح تل العمارنة في القرن الرابع عشر قبل المسيح على أنّها مدينة مِحورية في هذا الشرق،
الّتي عَرَفتْها العهود الرومانية بـ”كولونيا جوليا أوغستا بيريتوس”، ومَجّدَتْها واحةً غير عادية،
الّتي اختارها الأمبراطور الروماني سپتيموس ساويروس في القرن الثالث لتنشأَ عليها مدرسةُ الحقوق، واستقْدم لها ملافنة الحقوق من غايوس ويوليوس وپاپينيانوس وأولپـيانوس، لتستقطب طلاب الحقوق من أبعد أقطار العالم، ثم سمّى الأمبراطور جوستينيانوس بعض أساتذتِها لسَنّ قوانين ظلّت عهوداً طويلةً بعدها مصدر التشريعات في العالم الغربي، فاستحَقَّت بيروت لقبَها العالَمي “أُمّ الشرائع”،
الّتي سيشهدُها العالَمُ العامَ المقبل 2009 “بيروت العاصمة العالمية للكتاب”، هي الّتي يعرف العالَم أنّها عاصمة الكتاب في العالم العربي،
الّتي اعتادت أن تكون مشتهى الغاصبين الغرباء منذ أَقدم العهود،
هذه البيروت الّتي هدّمها زلزال سنة 555 واجتاحها البحر ثم اجتاحها تسونامي البحر تسع مرات عبر العصور،
هذه البيروتُ الحبيبةُ الرائعة الّتي عَصَت على كل غاصبٍ خارجيٍّ ومُحتلٍّ غريب، فعادت الى أهلها حبيبةً رائعة،
هذه البيروتُ الّتي مارس الكثيرون هواية اتّخاذها رهينةً، وفشلوا بذلك الرّهان،
هذه البيروتُ الّتي دنَّسَتْها جزمة الجيشِ الإسرائيليِّ العدوِّ الغاصبِ الْمُحتلّ قبل ربع قرن ثمّ انسحَب موقناً أنّها لن تكون رهينةً لأنّها رهان،
هذه البيروتُ الّتي مرّ في بال ضيوف عليها أن يتّخذوها رهينةً فيجعلوها مدينتهم البديلة ثم انكفأُوا موقنين أنَّها لن تكون رهينةً لأنّها رهان،
هذه البيروتُ الّتي يستزلِم داخليون فيها لأسياد خارجيّين، ويستبيحون ساحتها لإرضاء أسيادهم فيتّخذُونَها رهينةً ثم تنفتح عيونُهم فيوقنون أنّها لن تكون رهينةً لأنّها رهان،
هذه البيروتُ، مرنى القريبين والبعيدين، مشتهى القريبين والبعيدين، ساحة البطرسيين واليوضاسيين،
هذه البيروتُ، الحبيبةُ الغالية بيروت، بيروتُنا نَحن، أبناء لبنان اللبناني، ستبقى العاصيةَ على الجميع، ولن تكون رهينةً لأحد، بل ستبقى الرهان، دائماً الرهان على أنّ مَن يستحقونَها، فعلاً، هم الذين يعرفون أنّ أعلى قمم الرهان، لا يبلغها إلاّ الذين يعرفون الوفاء.
وبيروتُ لن تفْتحَ قلبَها إلاّ لِمن هُم، فعلاً، من أهل الوفاء.