هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

697: عندما تقرأ النساء في بيروت

الحلقة 697: عندما تقرأ النساء في بيروت
الأربعاء 30 نيسان 2008

ثَماني عشْرةَ سيّدةً يَجتمعْنَ الثلثاء، مرَّةً في الشهر، منذ خمس سنوات، لا على صبحية قهوة، ولا على دردشة نسوان، ولا على ترويقة مناقيش بزعتر، ولا للنقاش الأجْوَف العقيم في الوضع السياسي والانقسام بين هذا وذاك من “بيت بو سياسة”، بل يَجْتمعْنَ ليناقشْنَ كتاباً قرأَتْهُ سيّدةٌ بينهنّ ولَخَّصَتْهُ، وجاءت بعرضها تقرأُهُ على زميلاتها لِمناقشته في جلسة تَخرج منها السَّيِّدات بِحصيلةٍ ثقافية ذاتِ أثر.
سأَلْتُ إحدى السيّدات عن آخر القراءات في الأشهر الأخيرة، فإذا هي كتُبٌ من الطاهر جلّون مرَّةً، ومرّةً من مي غصوب، ومرّةً من الحبيب السالِمي، ومرةً من ياسمينة خَضرا، ومرةً من البهاء طاهر، ومرةً من سالِم خميس، الى لائحةٍ تطول حتى 60 شهراً (من خمس سنواتٍ حتى اليوم) يناقِشْنَ في الشهر مرةً رواية، ومرةً مسرحية (كما مرةً ناقشْنَ مسرحيةً لسعدالله ونّوس)، ومرةً فيلماً سينمائياً (كما ناقشْنَ مرةً فيلماً مع ناقد سينمائي مُختَصّ)، ومرةً في جلسة شِعرية (كما حصل مرةً مع الشاعرة هدى النعماني). وتشمل قراءاتُهُنَّ كُتُباً من العالم العربي كي تتّسع مروحة الثقافة، ويَطَّلِعْنَ على تَجارب الآخرين وأفكارهم. وحين يناقشْنَ كتاباً لبنانياً يَستضفْنَ كاتبه، كما الشهر الماضي مع الكاتبة والصحافية مي منسى حين ناقَشْنَ روايتَها الأخيرة “أَنتعِلُ الغبار وأمشي” بعد عودتِها من لندن وتكريمِها في معرض الكتاب العربي هناك (ضيف الشرف في المعرض العالمي للكتاب) وكانت روايتها فازت بـ”جائزة بوكر العربية العالمية”.
وعلمتُ مؤخراً أن حلقةً مُماثلة تنعقد كل شهرٍ كذلك في الجامعة الأميركية تناقش فيها سيداتٌ كتباً باللغة الإنكليزية.
المؤشر اللافت في هذه الظاهرة (غير الْمُضَوَّإِ عليها إعلامياً) أن مُجتمعَنا ليس نَمطياً، كما تُصوّره معظم وسائل الإعلام (وخصوصاً المرئيُّ منها) على أنه مُجتمَعٌ مسيَّسٌ لا حديث له إلاّ عن السياسة ولا نقاش بين أفراده إلاّ تَحَزُّباً أو انتصاراً أو انتقاداً لِهذا أو ذاك من السياسيين. أبداً: يَثْبُتُ يوماً بعد يوم أن المجتمع اللبناني ليس كلُّه نَمَطِِيّاً، بل فيه ردْحٌ كبير رافضٌ أن يكون قطيعاً أغنامياً بَبَّغاويّاً عُميانياً وراء السياسيين، بل هو منصرفٌ: هنا الى مناقشة كتاب، هناك الى مُشاهَدة مسرحياتٍ ومعارض، وهنالك الى حضور الأمسيات الموسيقية، والجمهورُ الكثيفُ الذي يكتظُّ أسبوعياً لِحضور أمسيات الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية، أو الأوركسترا الوطنية اللبنانية للموسيقى الشرق عربية، أو أوركسترات موسيقى الحجرة، خيرُ دليلٍ على رقيِّ مساحةٍ ثقيفةٍ من المجتمع اللبناني.
فالتحية الى فريق السيّدات اللواتي عرفتُ عنهنَّ مؤخراً يناقشْنَ كتاباً كلَّ شهر، ولْيبادِر الزملاء الصحافيون والإعلاميون الى الإضاءة على ظاهرتِهِنّ الحضارية، كي يعرفَ العالم أن لبنان ليس بؤرةَ وحْلٍ سياسيٍّ كما جعله السياسيون وشوّهوا صورته في العالم بتشاتُمِهم وكيدياتِهم و”توك شُو”اتِهم وتصاريحهم ومواقفهم وشخصانياتِهم وأفعالِهم وردود أفعالِهم وتوضيحات مكاتبِهم الإعلامية، فيعرفَ العالم أن الطقم السياسي في لبنان ليس هو واجهة لبنان، بل واجهةُ لبنان الثقافية الإبداعية هي بين منتجٍ ثقافيٍّ إبداعيٍّ ومُتَلَقٍّ مُثَقَّفٍ يَقْدِر الإبداع. وهي هذه صورةُ لبنان الحقيقية، لبنان الذي لن يقهرَه ظلامٌ سياسيٌّ لأن وجهَه الحقيقي هو أبعدُ ما يكون عن الوجه الذي يُظْهره للعالم طقمُه السياسيّ.