هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

695: حلّ سويديّ لإزعاج المدخّنين

الحلقة 695: حـلٌّ سويديّ لإزعاج المدخّنين
(الأحد 20 نيسان 2008)

روى صديقٌ لي – عن نسيبٍ له أتى حديثاً من السويد- أنّ العلماء السويديين توصلوا الى تركيب معجونٍ، كالعلكة تماماً، مشبَعٍ بالنيكوتين، يُلصِقه المدخِّنُ في سقف حلقه فيمتصُّ نكهة النيكوتين مع ريقه بدون أن يَمُجَّ سيجارةً في الهواء من نيعه أو مناخيره فيُزعجَ الناس حوله ويتأفّفوا منه ويقرفوا منه ويشتموه في سرِّهم وهو غافلٌ يواصل تدخينه مُزعِجاً كلَّ مَن حوله.
هذه العلكة في سقف حلق المدَخِّن، لا تنقذه من رائحةِ فمٍ كريهةٍ نَتِنَة، يبثُّها في أنوف الناس أمامه حين يُخاطبُهم عن قُرْب. لكنّ العلكة – وإن كانت بالضرَر نفسه على صحته – لا تُزعج الآخرين كالسيجارة، ولا ترشُّ الدخان على وجوههم ورئاتِهم وثيابِهم، خُصوصاً في السهرات والمطاعم والأماكن المقفَلة. وبذلك، يدخِّن المدخن لوحده، امتصاصاً علكته، ولا يُزعج الآخرين ولو ظل يَمتصُّ علكته طوال النهار والليل.
صديقٌ آخرُ لي توقَّف عن التدخين فجأةً – وكان مدمناً حتى القرف – سألتُهُ سِرَّ تَوَقُّفِهِ عن التدخين، فأَجابني: “بسبب الكرامة”. ولم أفهم العلاقة بين التدخين والكرامة، حتى استطرد صديقي قائلاً: “ذاتَ يومٍ كنتُ الى زيارة رسمية، وبين أصابعي آخر سيجارة في علبتي، حتى إذا وصلتُ الى المدخل مَججْتُ منها آخر مَجةٍ قبيل أن تَحترق كلُّها، ورميتُ عَقِبَها في زاويةٍ قرب مستوعب النفايات. عند المدخل سألني الحارس سيجارةً فقلتُ له إنني رميتُ الآن آخر سيجارة في علبتي. وإذ هَممتُ بالدخول الى المكان، وحانت مني التفاتةٌ الى الوراء، رأيت الحارس ينحني على عقب سيجارتي غير المنطفئة بعد، يلُمُّهُ عن الأرض ويَمُجُّ منها بقيّة البقيّة بنَهَمِ الْمُدمن الْمُستَقْتِل على مَجّة سيجارة، ولو لَمَّها من زبالة النفايات”.
وأردف صديقي: “كنتُ أنوي فعلاً أن أشتري علبةَ سجائرَ جديدةً فور خُروجي من الزيارة، غير أنني – بعد مشهد العامل الذي انْحنى ورائي يلُمُّ عقب سيجارة رميتُها في الزبالة – تقزَّزتُ من المشهد، وأحسستُني عَبْد السيجارة ولو على حساب كرامتي، فتقزَّزتُ مُجدَّداً من فكرةِ أن تستعبدَني السيجارة الى هذا الْحَدِّ الْمُذِلّ، وقررتُ للتَوِّ التَّوَقُّفَ عن التدخين. وبعدما كنتُ أُشيعُ وأُقْنِعُني أنني لا أستطيع التوقُّفَ عن التدخين، وجَدْتـُني توقَّفْتُ، ولَم أخسَر شيئاً، ولم أتضايقْ من شيء، ولا نَقُصَ شيءٌ من عاداتي وحياتي اليومية”. وسكتَ صديقي منشرحاً لِخلاصه من استعباد التدخين.
هاتان الحادثتان أسوقُهما الى المدخّنين الذين وجدَتْ لهمُ السويد الحلَّ كي يظلوا يدخّنون من دون أن يزعجوا الآخرين، والى المدخّنين الذين تستعبدهم لُفافةُ موتٍ تَجعلهم أسراها ولو على حساب ذلّهم وكرامتهم وإزعاج الآخرين.
أما الذين – بعد هاتين الروايتين – يُصِرُّون على إزعاج الآخرين بِنفْخ الدخان من نيعهم ومناخيرهم، ويُصِرُّون على الاستعباد للسيجارة، فلَهُم انزعاجُ الناس منهم، ولو بصمتٍ شامتٍ شاتِم، ولهم إيغالُهم في الذُّلّ حين يكون الذلُّ تبريراً لِمواصلة التوغُّل في الإزعاج و… الانتحار.