هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

693: 13 نيسان لا كي لا ننسى، بل كي نظلَّ نتذكّر!!!

الحلقة 693: 13 نيسان لا كي لا ننسى، بل كي نظلّ نتذكَّر!!!
(الأحد 13 نيسان 2008)

في مثل هذا اليوم، قبل ثلث قرن، في 13 نيسان 1975، حطّ طيرُ الشؤم على غصن أرزةٍ، واقفةٍ في الريح، ضعيفةٍ لأن حرّاسها غافلون، غَيريةٍ لأنَ حرّاسها أنانيّون، متروكةٍ لأنّ حرّاسها منشغلون بحراسات خارج أرض الأرزة، أو مدفوعون من خارج حمى الأرزة. وراح طير الشؤم ينخر بشؤمه غصن الأرزة، فغصناً ثانياً فثالثاً فرابعاً حتى بلغ النخْرُ الجذْعَ فانْتَخَر. وطوال سنواته، هذا الثلثِ القرن الأخير، والأرزةُ تتعرّض، فترةً بعد فترة، لِهَزّة جديدة، ونَخرةٍ جديدة، وخيانةٍ جديدة، مرةً من أهل البيت، ومرّاتٍ من أقارب البيت وجيران البيت وحُسّاد البيت كي لا تبقى نَضِرةً خُضرةُ الأرز، حتى وصلت الأرزة اليوم الى ما هي عليه من وهْنٍ وسُقمٍ وفراغ في أغصان القرار، وضعضعةٍ في سائر الأغصان.
في مثل هذا اليوم، قبل ثلث قرن، ضربَ الشؤمُ لبنان، ومن ذاك اليوم، ولبنان في عين الإعصار، في قلب العاصفة، في فوهة البركان، بين شَدْقَي الوحش، يرنو الى أصدقاء الضيق فيجدهم مشغولين بحساباتهم. يرنو الى المجتمع الدولي فيجده واقعاً تحت ظلال حساباته. يرنو الى أهل البيت فيرى قليلَهم هاجر ورحل، وقليل القليل الباقي واقفاً بين الخوف والغضب. ويرنو الى معظم أهله الباقين، فيراهم قطعاناً عمياء أغنامية تسير وراء ساستها بين النطع والسيف، بين السندان والمطرقة، بين باب المسلخ وباب القبر، بين شهوة الانتقام وغريزة الانتحار.
منذ ذاك اليوم، قبل ثلث قرن، ولبنان مَحبوس في نِيرِ السياسيين إياهُم. هُم هُم: أخصامُ الأمس حلفاءُ اليوم، حلفاءُ الأمس أخصامُ اليوم، مستسلِمو الأمس مستزلِمو اليوم، أزلامُ أسيادِ الأمس أزلامُ أسيادٍ آخرينَ اليوم، قليلُهم لم يغيِّر موقفاً ولا اتّجاهَ ريح، وكثيرُهم ركب موجة الريح الى حيث تَخدُم مصلحتَهُ الريح.
13 نيسان 1975: كان شعبٌ فاجأَتْهُ الحرب، سقطَ منه ضحايا وشهداء، وحين هدأت الحرب (ولم تنتهِ بل غيَّرَت ثيابَها) ظنَّ أنّه تعلَّم، أوّلَ ما تعلَّم، أن يَخلع عنه ظلّ سياسييه. بعد ثلث قرن، 13 نيسان 2008: هوذا شعبٌ ما زال يتواصل فيه سقوطُ الشهداء والضحايا، وما زال يصفّق للوجوه نفسها، والأصوات نفسها، والظلالِ نفسها وظلالِ الظِّلال.
ذات يوم، وكان مطار بيروت مقفلاً ونسافر من مرفإ جونيه الى لارنكا، رأيتُ في لارنكا (على طرف الطريق بين المرفإ والمطار) لافتةً قرأتُ فيها عبارة “تَذَكَّر: التركيّ عدُوُّك”. كان ذلك سنة 1975، قبل ثلث قرن، واليوم، بعد ثلث قرن، اجتمعَ الرئيس القبرصي التركي والرئيس القبرصي اليوناني ليُعيدا توحيدَ الجزيرة مصرِّحَيْن: “نعمل من أجل شعبنا وخلاص قبرص”.
فيا شعب لبنان، الغارقَ منذ ثلث قرن في لُجَج السياسيين واتّجاهاتهم وتَحالُفاتِهم وأنانياتهم وشخصانياتهم، ليس لكَ عدوٌّ داخلَ لبنان إلاّ مَن تعرفُ أنه يقودُك الى الوقوع مُجدداً في أشداق التنين.
يا شعب لبنان: اليوم 13 نيسان، فليتناسَلْ فيكَ كلَّ يومٍ 13 نيسان، لا كي لا تنسى، بل كي تظلّ تتذكَّر أن سياسياً قادكَ يوماً الى الموت، غيرُ قادرٍ أن يقدِّم لأولادكَ اليوم وطناً يسير بِهم غداً الى الحياة.