هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

688: الفصحى لدى السياسيين بين “القِمة” و”القُمّة”

الحلقة 688: الفصحى لدى السياسيين بين “القِمَّة” و”القُمَّة”
(الأربعاء 26 آذار 2008)

بكل بساطةٍ، أفتح أمامي “المنجد في اللغة” (ص 652) وأقرأ: “القِمّة= أعلى كل شيء”، والقُمَّة= المزبلة”.
ولا أُضيف شيئاً على هذين التحديدَين، بل أتأَمّل معظم “بيت بو سياسة” يتكلَّمون بالفصحى، ويُصرُّون على أن يتكلَّموا بالفصحى، ويلفُظون “القُمَّة” بدلاً من “القِمَّة” حين يتحدَّثون عن هذا الموضوع الذي يكثر الكلام عليه في هذه الأيام لانعقاد مؤتمر القمة العربية بين الرؤساء والملوك.
لا أدري لِماذا يُصرُّ السياسيون دائماً على الإدلاء بتصاريحهم في الفصحى حين لا يمتلكون مَلَكَة الفصحى. ولا يتحجَّجَنَّ أحدٌ منهم بأننا نتوقف عند تفاصيلَ لغويةٍ صغيرة (أو هُم يَجدونها صغيرة)، فيما هم، قال، مهتمُّون بقضايا الوطن الكبرى ويعملون على حلّها، ولا وقت عندهم، حين يتكلمون، للتفكير بفعْلٍ منصوبٍ أو كلمة مرفوعة. طبعاً لا يتحجَّجنَّ أحدٌ منهم بهذا الجواب، لأن السياسي في العالم – حين يَخطب أو يتحدَّث أو يدلي بتصريح للإعلام أو يقرأ خطاباً مكتوباً أمامه – إن أخطأ مرة واحدة تقوم عليه الصحافة والسِنةُ الناس، لأنَّ الوقوع في خطإٍٍ لُغَوِيٍّ غيرُ مغفورٍ في لغات العالم.
الفرق هنا أنّ السياسيين في العالم يكتبون، أو ينطقون، باللغة التي يتكلمونها كل يوم. فالمكتوبةُ عندهم والمحكيةُ واحدة، يَنشأُون ويكبَرون على النُّطق الصحيح باللغة، وتالياً على كتابتها كما ينطقونَها، عكس ما عندنا في العربية إذ يَنطق الناس بلغةٍ مَحكيةٍ لا قواعد مقنَّنةً لها ولا ضوابطَ لغوية، وحين يكتبون أو يتحدثون بالفصحى يستخدمون لغة أخرى ذاتَ ضوابطَ وقواعدَ لغويةٍ لا تَحتمل الخطأ.
فلماذا سياسيونا الأَشاوس (عافاهم الله وقدَّر أَتعابهم لِما يفعلونه من أجل لبنان!!!)، لماذا لا يتكلَّمون بالمحكية حين يصرِّحون، فيكونون أكثر ارتياحاً للتعبير عن آرائهم السديدة، ويوفِّرون على آذاننا تَخديشَها بسقوطهم في أخطاءَ لغويةٍ لا يقترفها تلامذة ثانويون في مدرسة ثانوية؟
ولِماذا، حين يقرأُون خطاباً، لا يطلبون مِمَّن كتبه لَهم أن يشكِّله لهم، وبِحرفٍ كبير، ويتمرَّنون عليه جيداً قبل قراءته؟
لَماذا يَختبئون غالباً خلف اللغة الفصحى كي يقولوا ما لا يَعنُونه، أو كي لا يَعنُوا ما يقولونه، فقط لاستخدام لغةٍ فصحى يَختبئون وراءها كي يسيطروا في فصحاهم على مستمع أو مشاهد سرعان ما ينفر من أخطائهم التي لا تحصى إذا أَدلَوا بتصريحٍ، أو قرأوا خطاباً، أو أَجرَوا حديثاً، فتجعلهم أخطاؤُهم كاريكاتوريين عوض أن يكونوا مؤثِّرين فاعلين؟
أَلا فَلْيَكْن سياسيّونا أكثر طبيعية في أحاديثهم (حين طبعاً يكون لديهم ما يقولونه) وليتحدّثوا بالمحكية الطبيعية العفوية، فيعبِّرون أوضح ويُفْهمون أوضح، ولا يَخلطون في أحاديثهم الشوساء، أقلّه لا يخلطون، بين “القِمَّة” و”القُمَّة”.