هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

679: الوصول إلى الحُكم بين المُكاملة والمُشائمة

الحلقة 679: الوصول إلى الحُكْم بين المُكالَمة والمُشاتَمة
الأحد 24 شباط 2008

المتابعون الحملةَ الانتخابية في الولايات المتحدة، هذه الأيام، يلاحظون تقدُّمَ مرشَّحٍ على آخَر أو تراجُعَه عن آخَر، وكل ذلك في جَوٍّ من التزاحُم الديمقراطي الذي يُحافظ على الحدّ الأدنى من الاحترام والحفاظ على أخلاق التنافس السياسي.
والمتابعون حملةَ الديمقراطيين بين باراك أوباما وهيلاري كلينتون يُعايِنُون كيف يقودُ كلٌّ منهما حملتَه ليقودَ شعبيَّته إلى تأييده، وكيف – حين يلتقيان في مناظرةٍ أو على منبرٍ واحد – يتخاطبان في حدّة أحياناً، وفي سباقٍ إلى تسجيل النقاط أحياناً، لكنهما لا يبلُغان قطُّ حدَّ الإساءة الشخصية، بل يتصافحان في نِهاية المناظرة أو اللقاء الشعبي، ويكون كلٌّ منهما أكّد في كلامه وحملته وخطابه السياسي أنّ العمل أولاً وأخيراً هو من أجل الوطن الأميركي والشعب الأميركي ومستقبل الأمة الأميركية.
هكذا يَشهد العالم أكبرَ دولة في العالم تتقدَّم نَحو ساعة الصفْر لانتخاب رئيس جمهوريتها، في تنافسٍ سياسي ديمقراطي أخلاقي مفتوح أمام الناس كي يحكمَ الناسُ ويذهبوا نهار الاقتراع فينتخبوا مَن أَقنعهم بخطابه ومنطقه ورسمه مستقبلَ الوطن.
أما عندنا، فالخطاب السياسي المفتوح بات تنافساً وتسابُقاً على مَن صوتُهُ أعلى، وشتيمتُه أقوى، واتهاماتُه أشرَس، وإصبعه أطول في الوجه، ويده أعلى في الهواء، وقاموسُه أغزر في كيل الشتائم والسّباب والتُّهَم والتحقير وفتح الملفات والتذاكي في التحدّي والتباهي بالأعداد البشرية وتغطية المساحات الأرضية بالناس المصفّقين والمهيّصين والمعيّشين والنافخين ببوق أسيادهم.
في العالم مقياس الوصول: أخلاقيات السياسيّ في المُكالَمة، وعندنا مقياس الوصول: انفعاليات السياسيّ في المُشاتَمة في ميزان التُّهَم والشتائم والسباب. والناس عندنا: قسْمٌ منقادٌ عميانياً ببّغاوياً قطعانياً وراء هذا أو ذاك من القادة السياسيين، وقسمٌ مذهولٌ مِما يَجري، ويُشيح عن هذا وذاك وذلك من القادة السياسيين، معتبراً أنه خارج كل هذا السباق من أجل حُكْمٍ نَهَشوه حتى لم يبقَ فيه نبض حياة.
هذا القسمُ الذي يشيح عنهم جميعاً، القسمُ الرافض كل هذا الخطاب السياسي، ينظر إلى ما يَجري في العالم من حملات سياسية، والى ما يجري عندنا من حملات سياسية، ويُؤْمن أكثر فأكثر أننا لم نعُد بين الدول المتخلِّفة في العالم الثالث، بل هبَطْنا هبَطْنا هبَطْنا إلى العالم الثالث والثلاثين.