هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

675: … وتبقى بيروت عاصمة الكتاب من قبلُ ومن بعد

الحلقة 675: … وتبقى بيروت عاصمة الكتاب من قبلُ ومن بعد
(الأربعاء 6 شباط 2008)

لَكُنَّا سنبدو متحيّزين منحازين شوڤـينيّين، لو اننا سنقول ما نقول، باسمنا أو برأينا أو بانطباعنا الشخصي.
غير أن الأخبار والتغطيات والانطباعات جاءتنا من القاهرة، بأقلام مصرية، وتغطياتٍ مصرية للصحف ووكالات الأنباء، عن الصدمة التي ولّدها في القاهرة “معرض الكتاب العربي”، بكل ما رافقه من فوضى تنظيم، وغياب مُحاضرين، وبَلْبَلَة أجنحة، وانفلاتِ المياه الوسخة على جناح الإمارات (وهو الجناح الضيف في المعرض) وضآلة المساحات المعطاة حتى للكتاب المصري، ما جعل الرئيسَ المصري حسني مبارك نفسَه يرمي ملاحظته القاسية في هذا الخطإ الجسيم.
ولأن ما قيل عن معرض الكتاب في القاهرة، قيل في القاهرة ومن القاهرة، لن يكون كلامُنا مقابَلَةً أو مقارنَةً، بل واقعاً أقرَّ به الضيوفُ قبل أهل البيت: وهو أنّ “معرض بيروت للكتاب”، في أية فترةٍ أقيم، وفي أيّ مكان، يبقى مضيئاً على الكتاب والكُتّاب والقرّاء والروّاد، هو الذي يقام غالباً في ظروف صعبة، أمنياً أو سياسياً أو اجتماعياً، ومع ذلك، مع كلّ ذلك، يَقطُف الروّاد، على قلّةٍ أحياناً لكنها قلّةٌ نوعية، ويقدِّم الأنشطة المصاحبة، على جودةٍ وقيمةٍ واكتمالِ برنامج، حتى ليمكنُ القول إن معرض الكتاب في بيروت، فرنكوفونيَّه والعربِيّ، يكون حدَثاً لائقاً في لبنان والمنطقة.
هكذا كان لائقاً “معرضُ بيروت للكتاب” قبل أسابيع، من النادي الثقافي العربي، وهكذا تتهيّأُ الحركة الثقافية-أنطلياس بعد أسابيع لإقامة “المعرض اللبناني للكتاب”، بالترتيب الذي نعهده في هذه “الحركة” التي، كما النادي الثقافي العربي، تعرف ماذا تنظِّم وكيف تنظِّم ولِماذا تنظِّم، ليجيء معرضُ الكتاب في لبنان لائقاً بـبيروت الكتاب ولبنان الكتاب ومعرض الكتاب في لبنان.
هذا لنقول إن بيروت الكتاب، قبل معارض الكتاب ومع معارض الكتاب وبعد معارض الكتاب، هي مدينةُ الكتاب، الكتابِ اللائق شكلاً ومضموناً، بيروتُ النشر والناشرين، بيروتُ التي جعلَت كلَّ كاتبٍ بالعربية من أيّ بلدٍ عربي يشعر أنْ ليست تكتمل رجولتُه الأدبية إلاّ إذا صدَرَ كتابُه في بيروت، أو تولاَّه ناشر في بيروت، أو وقف خطيباً أو شاعراً أو مُحاضراً على منبر بيروت، ويُضيف في سيرته الذاتية، بأحرفٍ من نور، أنّ كتابه صدر في بيروت أو انه وقف على منبرٍ من منابر بيروت.
نعم. هذه هي بيروت. بيروتُ الحقيقية. بيروتُ الكتاب والحضارة والقيم. وهي غيرُ بيروت الحالية التي باتت بؤْرةَ تَشاتُم سياسييها على الشاشات، مستغلّين مأْتماً أو ذكرىً أو مناسبةً أو احتفالاً ليَرُوحوا يطلقون نار الكلام الكريه ضدّ بعضهم البعض.
بيروتُنا نحن، بيروتُ النقاء والبهاء والصفاء، هي بيروتُ الكتاب، بيروتُ العروسُ التي يُحرقونَها بوسائل السياسة والحروب، فلا يَحترق منها سوى فستان العرس ولا يَحترق وجهُ العروس، وتعودُ بعد الحريق أجمل، وتعودُ أبْهى، وتعودُ أنقى، وتعودُ بيروتَ التي لا تَخِيبُ ولا تُخَيِّب، تعودُ بيروتَ التي لا تزال ترنو إليها العيونُ بشَغَف، عيونُ اللبنانيين وعيونُ جميع العرب، أنْ: “عُودي يا بيروت، لا عاصمةَ لبنان وحسب، بل عاصمتَنا جميعاً، يا أُمَّ الشرائع وأُمَّ الكتاب”.
ولأنّها كذلك، ستَزهو ونَزهو معها، العامَ المقبل وباختيار منظمة الأونسكو العالمية، أنْ تكونَ بيروتُ 2009 عاصمةً عالَميةً للكتاب.