هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

668: أخلاق المواطن قبل قانون السير

الحلقة 668: أخلاق المواطن قبل قانون السير
(الأحد 13 كانون الثاني 2008)

شكا المواطنون خلال فترة الأعياد، في الأسابيع الأربعة الماضية، من زحمة سيرٍ غير عادية في شوارع بيروت وضواحيها، أَخَّرت كثيرين عن مواعيدهم، وحبست كثيرين ساعاتٍ طويلةً في سياراتهم وسط غابة من الحديد والدخان والتلوُّث.
وإذا لم يعُد جديداً قولُنا إن النقص في رجال شرطة السير كان واضحاً في تلك الأيام المذكورة، عدا تقصير كثيرين منهم في القيام بتنظيم السير كما يجب (من دون تلَهّيهم بالمهاتفة الخلوية أو اللعب بالمسبحة أو انهماكهم بالتدخين والعلكة)، فإنّ قبل كل هذه الظواهر المرَضية الشاذة (التي باتت مألوفة في شوارع بيروت) واحدةً أخطرَ وأكثرَ ضرراً، هي ظاهرةُ قلّة أخلاق السائقين المخالفين بوقاحة وفظاظة وثقل دمٍ لا يطاق.
فهذا لا يقف على الضوء الأحمر فيعرقل السير في الوجهة المقابلة. وهذا لا يحترم أفضلية المرور فيعرقل السير أمام من لهم أفضلية مرور. وهذا يسير بطيئاً إلى يسار الطريق حارماً مَن وراءه التجاوز وهو غارق في حديث، أو يتحدّث بالهاتف الخلوي ولا يسمع زمامير السيارات وراءه. وهذا يوقف سيارته تحت إشارة ممنوع الوقوف أو في الشارع صفاً ثانياً أو ثالثاً أو يوقفها بالورب على الرصيف فيسُدّ الرصيف على مشاة يضطرون إلى السير على الطريق بين السيارات. وهذا على التقاطع يقتحم الطريق من خطه إلى الخط الجانبي عن يمينه أو يساره غير مكترثٍ بقاعدة أخلاقية للسير أن عندما لا تكون على التقاطع إشارة كهربائية، تمر سيارة من هذا الخط، ثم تمر سيارة من الخط الجانبي، من دون تزاحم ولا شطارة هجوم على السيارات المقابلة. وهذا ينعطف 180 درجة عند تقاطعٍ ممنوعٌ فيه هذا الانعطاف فيعرقل السير في خطه وفي الخط المقابل. وهذا يتجاوز السيارات ثالثاً أو رابعاً فيفاجأ بسيارة من الخط المقابل ويعرقل سير خطه وخط السير المقابل.
طبعاً لن أعدِّد مُخالفات السير جميعاً، فأنتم تعرفونها أكثر مني، وتعانُون منها أكثر مني، وتلعنون مُخالفيها أكثر مني.
إن قانون السير وُجِد لتنظيم السير ومعاقبة المخالفين، ولكن ماذا حين يكون المخالفون أكثرَ من المنضبطين، وتصبح المخالفة شطارة، ووقاحة العبور والتجاوز مهارة قيادة؟
القانون وُجِدَ لضبط المخالفين لا لضبط أخلاق من هم قليلو الأخلاق أو بلا أخلاق ولا تربية ولا ذوق. الأخلاق قبل القانون. فإذا انفقدت الأخلاق لن ينفع فيها أيُّ قانون. والحاصل عندنا أن كثيرين من السائقين بلا أخلاق، وكثيراً من شوارعنا بلا شرطة، فإذا بالشوارع غابة أدغال فالتة و”حارة كل مين إيدو إلُو”.
القانون صورة عن هيبة الدولة، والقيادة صورة عن أخلاق المواطن. ومتى كانت هيبةُ الدولة غائبة، وأخلاقُ السائقين معدومة، فالنتيجة تكون ما قاله لوالديه، قبل أيام، شابٌّ جاء من باريس يعيّد معهما، وحين ودّعهما قبل عودته إلى باريس، قال لهما: “لا تنتظراني قريباً، حتى تُخبراني بأن السائقين في لبنان صارت لديهم أخلاقٌ تقودهم قبل أن يقودوا سياراتهم على طرقاتٍ غاب عنها القانون، وغابت عنها أبسط بديهيات الصيانة والأمان”.