هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

667: أبعدوا أطفالكم عن المطاعم والمقاهي

الحلقة 667: أَبعِدوا أطفالَكُم عن المطاعم والمقاهي
الأربعاء 9 كانون الثاني 2008

كان المطعمُ الجبلي، نهار الأحد الماضي، مُقْفَلَ الأبواب والشبابيك، بسبب الصقيع القارس في الخارج، والمنفلشِ على تلالٍ جميلة ووهادٍ رائعة من الطبيعة اللبنانية في ذاك الجبل اللبناني الساحر. وفي بهو المطعم، الضئيلِ المساحة وذي الصالة الواحدة غيرِ الواسعة، كان يَجلس إلى طاولة في الوسط رجلٌ يطقطق بالبزُورات من الصحن أمامه، فيما زوجته الشوساء تُدخّن السيكارة تلو السيكارة، لا تطفئ واحدةً حتى تُشعلَ أخرى. وحين اقترب النادلُ يسألهما عما يرغبان في طلبه، بادرتْهُ السيدة المدخّنة أنهما ينتظران ابنهما كي يصل بزوجته و”الحفيد الحبيب” الذي سيحتفلون معاً بعيد ميلاده في المطعم مع شلّة أصدقائهم. وبالفعل، بعد بضع دقائق وصل “الحفيد الحبيب” محمولاً في سلته الجميلة، ووصل جَمْع الأصدقاء الذين، ما إن جلسوا إلى الطاولة، حتى كانت غيوم دخان “التيتا” ملأت المكان فوق الطاولة وحول الطاولة وفي جميع أرجاء المطعم. ولم يكتفِ المدعوُّون بأن أخذَ فيهم مَن يدخّن كذلك حول “الحفيد الحبيب”، بل لم يكتمل عيد “الحفيد الحبيب” إلاّ بأن طلبوا أراكيل زادت من غيوم الدخان حول “الحفيد الحبيب”. ولم يفهم والدا “الحفيد الحبيب”، ولا ستُّه وجدّه، لماذا كان يبكي أحياناً فيحملونه ويتناوبون على تهدئة بكائه متجوّلين حول الطاولة التي كانت تغرق وسْط غيوم دخان السكائر والأراكيل. وما إن حان موعد إطفاء الشمعة الأولى وغنّوا له “سنَه حلوَه يا حفيد” حتى راحوا يتناوبون على حمله وتقبيله بالدور، نافثين في وجهه وأنفه ورئتيه لُهاثَهم المليء بالدخان الذي راح يتسَرَّب إلى بَشَرَة “الحفيد الحبيب” وأنفِه ورئتيه وصدرِه الطريّ. وكانت ستُّه (التي لم تسقط السيكارة من يدها دقيقةً واحدة) أكثرَ مَنْ حَمَلَ “الحفيد الحبيب”، “يقبر ستُّو”، باعتبار أنْ “ما أَعَزّ من الولَد إلا ولَد الولَد”.
طبعاً: المشهد مألوف في جميع المطاعم والمقاهي التي لا بأس أن يدخّن فيها الرواد ما شاؤوا، وأن يُزعجوا سواهم ما شاؤوا، فهذه مسؤوليةُ الكبار الذين ارتضَوا أن يدخلوا هذه المطاعم والمقاهي، وأن يتحمّلوا إزعاجَ المدخّنين، ووقاحةَ غيوم الدخان فوق الطاولات وفي صحون طعامٍ يتناولونه مَمزوجاً بلهاث الدخان يتسرَّب مع اللقمة إلى رئاتهم. لكنّ المؤذي، وأكثرَ المؤذي في هذا الأمر، اصطحابُ الناس أطفالَهم إلى هذه الأجواء الموبوءة بسموم التدخين تتسرّب إلى رئات الأطفال وصدورِهم وعيونِهم وبَشَرةِ جِلْدهم، والأهالي غافلون أنَّ هذه السموم تدخل أطفالهم وتبيت فيهم وتنام في شرايين دمهم حتى تُظهر براثن موتها تدريجاً في صحة الأطفال بما لا يذكِّر أنّ أصلَه عائدٌ إلى تسريبات الدخان في المطاعم والمقاهي، وفي بيوتهم التي تعُجُّ بالدخان تَغَلْغَلَ في أثاث البيوت وأجوائها حتى حين لا يكون أحدٌ يدخِّن في البيت.
فيا أيها الناس: أطفالُكم يتشرّبون الدخان وأنتم غافلون، تُسمِّمونهم وأنتم غافلون، تَسْقونَهم سُمَّ الدخان وأنتم غافلون، فأَبعِدوهم عن أجواء الدخان في بيوتكم، وأَبْعِدُوهم، خصوصاً أَبْعِدوهم، عن المطاعم والمقاهي التي تستمْتِعون فيها بسكائركم وأراكيلكم، أو سكائر الغير وأراكيلهم حولكم، فيما أطفالُكم يتشرّبون سُمّ الدخان ويُخزّنون الأمراض في رئاتهم الطرية، وأنتم لا تعرفون متى تَظهر عوارض هذه السموم حين يكبَرون ويَمرضون، وأنتم عن أصل السبب… غافلون.