هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

662: مرآة الشعوب: هداياها في الأعياد

الحلقة 662: مرآة الشعوب: هداياها في الأعياد
الأحد 23 كانون الأول 2007

في هذا الزمن اللبناني، زمن الأعياد، بين أضحى وأضحى، وبين ميلادٍ ورأس سنة جديدة، تكتظُّ الأسواق التجارية بالروّاد والمستهلكين، نساءً وأطفالاً وآباءَ ومُختلفين، لشراء الهدايا والتذكارات، وتقديمها إلى الأهل والمريدين.
ولهذه الغاية تكثُرُ مغْرَياتُ المحالّ التجارية والمجمّعات الصغرى والكبرى باليافطات والإعلانات والصوَر والتزيينات واللافتات الكهربائية والمصوّرة، كُبراها وصُغراها ووُسطاها، وبالشرائط الملوّنة والواجهات المزخرفة والديكور الخاص داخلاً وخارجاً، وكلّ هذا لا على حساب أصحاب المحالّ بل على حساب زبائن يُزاد السعر عليهم بحجة الأعياد وهم يدخلون تلك الأماكن مبتهجين بديكورها، مسرورين بملاقاة البائعات وترحيبهنّ وبشاشتهنّ، ومعسول كلامهنّ بترغيب الزبائن حتى يشتروا ويَخرجوا من المكان مُحمَّلين بالهدايا تلفُّها أوراقٌ مطرَّزة بالشرائط واللواحق وأسماء المهداة إليهم هذه الهدايا.
وهذا كلُّه بهيجٌ فرِح، وفي موعده وفي مناسبته وفي موسمه، أياً يكن مُحتوى العُلَب المهداة، صحوناً أو زهوراً أو ثياباً أو ألعاباً للأولاد، أو أغراضاً للزينة، أو أدواتٍ كهربائية أو إلكترونية.
غير أنّ كلّ هذا إلى عبورٍ أو زوال. الزهورُ تذبُل، الأغراض تَعتَق، الأدوات تُتْلَف، الألعاب تَنْحَطِم، ويذهب المُهدَى والمُهدِي والمُهدَى إليه مع المناسبة والعيد والهدايا والتذكارات. فما الذي يبقى؟؟؟؟
قلّما رأيتُ في هذه الأعياد أحداً يُهدي كتاباً أو لوحةً فنية أو منحوتة صغيرة أو أثراً موسيقياً. مع أن هديةَ الكتاب أو اللوحة أو المنحوتة أو الأثر الموسيقي هديةٌ لا تنحطم ولا تَعتَق ولا تُتْلَف ولا تَذْبُل، وتعود بالريع المنعِش إلى المؤلف أو الرسّام أو النحّات أو الموسيقي، فتدور الأعياد بدورة اقتصادية ذاتِ نفعٍ أكيد.
بين آلاف المعايِدين بالهدايا، في هذه الأيام، كم واحداً اشترى ليُهدي موسوعةً أو كتاباً أو لوحةً أو منحوتةً صغيرة أو أثراً موسيقياً؟
في الغرب، أغلى هديةٍ هي الأثرُ الإبداعي في أيّ شكلٍ من أشكاله، يحفَظُهُ المُهدَى إليه، ويغتبط المُهدِي لقيمة ما يُهدي، ويُفيد صاحبُ الأثر الإبداعي من تسويق إنتاجه في موسم الأعياد. أما نحن، في بلداننا هنا، فلا نزال استعراضيين في هدايانا، وما زلنا شَعباً لا يستهلك الثقافة بقدْرِما يستهلك المطاعم والمقاهي والأراكيل والقهوة والسجائر ولعب الطاولة والطقطقة بسبحات تضييع الوقت على الثرثرة والحكي في السياسة والاصطفافات القطعانية وراء السياسيين.
وما هكذا تليق بنا الأعياد.
وما هكذا يليق بنا أن تكون هدايانا.