هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

654: لبنان في الكويت: بلدُ حلمٍ جَميل

الحلقة 654: لبنان في الكويت: بلدُ حلمٍ جَميل
(الأحد 25 تشرين الثاني 2007)

الدعوة التي تلقّيتُها من كلية الآداب في جامعة الكويت، حسبتُها للكلام على الأدب عموماً، أو الشعر العربي خصوصاً. غير أنني فوجئتُ، ويا فرَحي، بأن المطلوب أن أتَحَدَّث عن جبران. وحين رحتُ أتبسّط في الكلام وأعرض مراحل جبران الحياتية وكتاباته كان للطلاب شغفُ تدوين المعلومات في نَهَمٍ معْرفِيٍّ أفرحني أن يكونَ في الكويت بالذات، بينما جبران مُحَظَّرٌ ومَحظورٌ في عددٍ كبير من الدول العربية. وحين تبسّطتُ في العلاقة العضوية الحميمة بين جبران ولبنان، أضاءت وجوهُ الطلاَّب لِمَا علمتُ بعدها أنه أثرُ كلامِ أهلِهم عن لبنان الجميل معالِمَ وأعلاماً.
وحين انتهيتُ من الحديث عن جبران في نحو ساعة، سألني الطلاب أن أُسمعهُم شعراً تغنّيه فيروز، فأسمعتُهُم قصائد من شعر الأخوين رحباني راحوا يردّدون معظمَه معي، فاكتشفتُ كم هم مستمعون إليه بإنصاتٍ من صوت فيروز.
مساءً لَبَّيتُ دعوة كريمة إلى ما سماه صاحب الدعوة “سوليدير الكويت”، جامعاً إياي بِشُلَّةٍ من أصدقاء له كويتيين تبنّوا تسمية المكان “سوليدير الكويت”، ولو ان بعضهم لم يَزُر “سوليدير بيروت” بعد، ولا يعرف عنه إلا بالمتواتر من المعلومات.
ودار الحديثُ طويلاً. عن لبنان دار الحديث: لهيفاً لمن يعرفون لبنان، شَغوفاً لمن لا يعرفونه ويرغبون في زيارته جرَّاء ما يسمعون مِمّن يعرفونه.
سيّدة قالت لي: “زرتُ مدُناً كثيرةً في الولايات المتحدة وأوروبا وما زلتُ أفضل تمضية الصيف وعطلاتي القصيرةِ في لبنان”.
سيّدة أخرى وقعت لها حادثة سير في بعلشميه، وكان الصادم شاباً لبنانياً غير لائق في التعاطي، فأَسمعَها كلاماً نابياً يعكس شبابه الأرعن فقالت له: “لستَ أنت من سيجعلني لا أحب لبنان بسببك وأمثالك. سأظلُّ أحبُّ لبنان وأُري أمثالَك أنّ هذا التصرف ليس من شِيَم أهل لبنان”. وإذ سألتُها عن سرّ هذا الرابط مع لبنان، قالت: “الناس في لبنان دَمِثُون ويتصرّفون بحب وصدق. الشعب اللبناني جامعٌ فيه ما في أوروبا وأميركا والبلدان العربية. فالمسلم يشعر أنه في بلدٍ يزاول فيه طقوسه الإسلامية وجبينُهُ بِعُلُوّ مئذنة. والمسيحيُّ يشعر أنه في بلد يسمعُ فيه رنين الأجراس كما في عمق الفاتيكان”.
ورَوَت لي سيدةٌ كانت تسير وزوجها في شارع فرعي من بلدة اصطيافية لبنانية، حين مَرَّا بعجوز على شرفة بيتها، حيَّياها وسأَلاها عن بيتٍ يقصُدانِه، حتى إذا عرفَتْ أنهما كويتيان أصرَّت على دعوتهما إلى بيتها وقدَّمت لهما قهوة وحلوى “شغل ديّاتها”.
وكان إجماعٌ بين الحضور على تَمايُز لبنان وضرورة أن يبقى فيه هذا التمايزُ، وإلاَّ فما له دور، ولا يتعلق به أحد.
هكذا إذاً: من أقصى جبران في جامعة الكويت، إلى أقصى الحديث الشغوف عن لبنان في “سوليدير الكويت”، كان لبنانُ حديثَ كويتيّين عشاقِ بلدٍ جميلٍ رائعٍ في الحلم، بينما واقعُهُ، لو يعلَمون، يسوسُه ساسةٌ وسيّاسٌ وسياسيون جعلوه دُغلاً تكثر فيه الخفافيش والعقارب، وظلُّوا يتشاتَمون حتى حلَّت عليهم شتيمةُ الناس، كل الناس.
كنتُ معكم من الكويت. إليكم بيروت.