هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

648: سعادة سفيرة لبنان: الأوركسترا السمفونية الوطنية

الحلقة 648: سعادة سفيرة لبنان: الأوركسترا السمفونية الوطنية
(الأحد 4 تشرين الثاني 2007)

مُمتعةً وأخّاذةً كانت مساء الجمعة، أوّل من أمس، الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية تعاوناً مع سفارة تشيكيا في لبنان (لمناسبة يوم تشيكيا الوطني) في أمسية تشيكية قادها التشيكي البارع يان شْتْڤان وقدّم فيها رائعتَي أنطونِن دْڤُوراك “رقصات سلاڤية” وسمفونياه التاسعة “من العالم الجديد”. وسِحنا في نغمات هذا المبدع الخالد الذي انطفأ في الثالثة والستين (1904) بعدما ترك أعمالاً هي اليوم في صدارة الريـپرتوار الموسيقي الكلاسيكي العالمي.
ولكان يُمكن أن يقدِّم رائعتي دْڤُوراك هاتين قائدُ أوركسترانا السمفونية الوطنية الدكتور وليد غلمية أو أيُّ قائدٍ آخر. لكنّ قيادتها بعصا تشيكي من بلاد دْڤُوراك أعطاها نكهةً ميلوديةً وتقنيةً خاصة، فيها المناخُ الغني الذي عاش فيه دْڤُوراك بالأمس ونقله إلينا اليوم القائد يان شْتْڤان بقيادته الحازمة الصارمة المعتزّة بتراث بلاده.
هذه الظاهرة -باستضافة قائد من بلاد المؤلف الموسيقي نفسه- تكرّرت مراراً في بيروت، وبدأت هذا الموسم باستضافة القائد النمساوي روبرت لِهْرْبُومِر لأمسيةٍ نمساوية، والقائدة كلير لوڤاشيه لأمسيةٍ فرنسية، وسوف يكون لنا هذا الموسم أن نحضر أمسياتٍ مقبلةً بإدارة قادة أوركسترا ضيوف أجانب، ما يُغْني الأمسيات الكلاسيكية، ويَزيدُ، شهادةً على شهادة، رأيَ كلّ قائدٍ أجنبي جديد بأوركسترانا التي، كلّما قادها أجنبي، أبدى إعجابه بأدائها العالي وتقنيتها الممتازة وطواعية عازفيها على التلبية مهما كان النسيجُ التأليفيُّ الكلاسيكيُّ صعباً ومعقّداً.
وهذا المستوى لأوركسترانا السمفونية الوطنية مردُّهُ إلى تمارينَ مضْنية يُخضعها لها مؤسسُها وقائدُها الرئيس رئيس الكونسرفاتوار الوطني اللبناني الدكتور وليد غلمية، والى كثافة الأمسيات التي تقدّمها بإيقاعٍ شبه أُسبوعي بين أمسيات سمفونية وأمسيات حُجرة، عدا تتالي أمسيات أوركسترانا الوطنية للموسيقى الشرق عربية.
هذه الكثافة في الأُمسيات لم تُبَلْوِر احترافية الأوركسترا وحسب، بل هي أسَّسَت – ولا تزال تبني – جُمهوراً في لبنان للموسيقى الكلاسيكية ما كان يُمكن أن يكون بهذا الازدياد المُطَّرِد لولا مُثابرةُ وليد غلمية على تكثيف الأمسيات رُغم ضحالة وضآلة التغطية الصحافية التي، لولا “النهار” و”لوريان لوجور”، لبقيَت خارج هذا الإنْجاز الكبير للبنانَ الفنِ العالي.
مع هذا، مع كلّ هذا الإنْجاز الكبير، لا تزال أوركسترانا السمفونية الوطنية تستجدي مكاناً لها كي تقدّم روائع الموسيقى الكلاسيكية العالمية، عوض أن يكون لها بيتٌ ومسرحٌ ودارُ أوپّـرا وقصر موسيقى، أُسوةً بكبرى الأوركسترات العالمية التي لا تقدّم أعمال الكبار في بلدانها وحسب، بل تَجول في بلدان العالم سفيرةً مشرِّفةً لبلادها.
مع العهد الجديد المقبل على لبنان (رئيساً جديداً وحكومةً جديدة) لن نكون في عهدٍ جديدٍ فعلاً إن لم تجعل الدولة هذه الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية صورةَ لبنانَ الحضاريةَ متجوّلةً في العالم، حاملةً أعمال المبدعين الكلاسيكيين اللبنانيين والعالَميين، وتكون حقاً الأوركسترا السمفونية الوطنية اللبنانية سعادة سفيرة لبنان لا إلى بلد واحدٍ (كما حال السفير الواحد في بلد واحد) بل تكون سعادة سفيرة لبنان إلى جميع البلدان شرقاً وغرباً، نَجمةَ لبنانَ الحضارية في سَماء العالم.