هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

639: “موظّفو الكوتا السياسية، والجامعيون عاطلون عن العمل”

الحلقة 639: “موظفو الكوتا السياسية، والجامعيون عاطلون عن العمل”
(الأربعاء 3 تشرين الأول 2007)

تعدَّدت الأسباب والرحيل واحد. وها هم يقفون صفوفاً على أبواب السفارات، ما إن يرَون ختم التأشيرة على جوازهم حتى يهرعوا (قبل أن يعودوا الى البيت) الى أول مكتب سفر يحجزون فيه بطاقتهم الى هناك، الى البعيد المجهول غدُهُ والمعلوم حاضره لهم. فكل ما يرمون إليه: أن يستقرُّوا في الهناك، في أمنه وأمانه، ونظامه وانتظامه، وقوانينه ومؤسساته، وعلى الأقلّ الأقلّ في البُعْد عن وطنٍ لهم بات غابةً مفتوحةً بلا رقابة، مشرَّعةً لجميع أنواع القراصنة والمرتزقة، وقاطعي الطرق بالسيارات المفخَّخة.
وحين لا يكون هذا، أو سواه، من الأسباب، وحين يكون الوطن في عطلة من خطر الأحداث الأمنية، تصدمهم أفواج الأزلام والمحاسيب في احتلالهم وظائفَ ومسؤولياتٍ ومناصبَ لا فضل لهم فيها سوى أنهم أزلام ومحاسيب، في قطيع هذا السياسي من منطقتهم، أو في عُرف هذه الكوتا المذهبية من طائفتهم أو من طائفة أُخرى، فيجدون أنْ لا أمل لهم بهذه الوظيفة أو ذاك المنصب لأنهم ليسوا محسوبين على هذا السياسي، أو لا يريدون أن يكونوا محسوبين على هذا السياسي، أو لأنهم ليسوا من هذه الطائفة أو تلك التي تقدّموا الى الوظيفة ووجدوا الكوتا أقفلت لأبناء تلك الطائفة وهم ليسوا منها، فيقفُلون عائدين خائبين، وصباحَ اليوم التالي يقفون في الصف أمام باب السفارة، في يدهم جوازُ السفر، في قلبهم غصَّة القهر، وفي بالهم لعنةٌ على قدرٍ داس على كفاءاتهم العلمية والأكاديمية في استحقاق وظيفة أو منصب أو مسؤولية، لأن من سبقهم إليها محسوب على الكوتا السياسية أو الطائفية أو المذهبية، في وطنهم الذي هو وطنُ المذاهب عوض أن يكون وطن المواهب.
وحين يصبحون في الهناك، في البعيد هناك، يتبوَّأُون منصباً أو مسؤولية أو وظيفة، لا لأنهم محسوبون، ولا لأنهم من محظوظي الكوتا، بل لأن مواهبهم وشهاداتهم وكفاءاتهم كفيلةٌ بإيصالهم الى بدايةٍ فتقَدُّمٍ فنجاحٍ فبلوغِ مرتبةٍ متقدمة في الوظيفة أو المسؤولية أو المنصب، ويبرعون ويَبرُزون، ويُحقّقون اكتشافاً أو اختراعاً أو نجاحاً لامعاً تتناقله الصحافة في الهناك، في البعيد هناك، ويبلغنا أمرهم من وكالات الأنباء ووسائل الإعلام في الهناك، في البعيد هناك، ونروح هنا نتشدّق في وسائل إعلامنا بأنّ هذا أو ذاك هو لبناني، أو من أصل لبناني، نباهي به ونفخر بوصوله، وحين كان هنا، لا يزال هنا، كان يُمضي وقته من بابٍ الى باب يبحث عن تلك الوظيفةِ نفسِها أو المنصبِ ذاتِه أو المسؤولية عينِها، وتُقْفَلُ الأبواب في وجهه لأنه خارج الكوتا السياسية أو المذهبية أو الطائفية في لبنان.
رئيسُ الجمهورية العتيد، هذا المنتظرينَهُ بعد أسابيع، أولُ ما ننتظر منه في إعادته ثقةَ المواطنين به وبمستقبل لبنان، أن يُعيد الثقة بلبنان الى شباب لبنان الأحباب حتى يعودوا يؤمنون بأنَّ لهم مكاناً في وطنهم حين يتخرّجون من الجامعات، وبأنهم لن يصبحوا متخرِّجين عاطلين عن العمل، وبأنهم لن يُضطروا الى استجداء بطاقة توصية من نائب منطقتهم أو زعيم طائفتهم، وبأنهم لن يهاجروا يائسين غاضبين، وبأنهم أصبحوا فعلاً في زمن رئيس جديد يرفع لبنان من وطن الكوتات والمذاهب الى وطن الفرص والمواهب.