هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

636: “حتّى نستاهل نعمة لبنان”

الحلقة 636: “حتى نستاهلَ نعمةَ لبنان”
(الأحد 23 أيلول 2007)

“… ومَن بعد”؟ أصبح السؤال في لبنان. وعادةً يكون السؤال: “ماذا بعد”؟
شهيداً بعد شهيدٍ يسقطون، ضحيةً بعد ضحيةٍ أبرياءَ يسقطون، حتى بات لبنان مناحةً متواصلة، ومأتماً مستمراً، وتعازيَ مستدامة. ومرحلةً بعد مرحلة، يواصل الوطن صعودَه جلجلتَه القاسيةَ الهائلةَ الأوجاع، وعلى الطريق يَتَامى يتزايدون، ونعوشٌ تزداد، وأضرحةٌ تتكاثر، وتكثرُ النسوة اللابساتُ الطرحاتِ السود.
أيُّ قدَرٍ فريدٍ في قسوته وقهره يُخَيِّم عليك، يا لبنان، يا وطنَ الأقدار الصعبة والشهداء!!!
أيَّةُ حالةٍ لم تعُد فيكَ تَخرج عن حدَّين: الحزن والغضب؟ وما أصعبَ هذين الحدَّين في رسم مستقبل الوطن!!
في المنطق أن السياسة فن قيادة الأوطان الى نُمُوِّها، وفي لبنان: السياسةُ فنُّ قيادة الوطن الى التفكُّك.
في دول العالم: السياسيون في خدمة الشعب، وفي لبنان: الشعبُ في خدمة السياسيين.
في العالم: السياسيون يَخشون الخطأ أو الغلط أو السقطات كي لا يُسقِطهم الشعب، وفي لبنان: سياسيون شخصيون شخصانيون كيديون إقطاعيون لا يَخشون الخطأ أو الغلط ولا يُحاذرون السقطات، ليقينهم بأن الشعب لن يُسقِطَهم لأنهم متربعون على أكتاف الناس، ويستخدمون الناس مطايا وتكايا وضحايا وأزلاماً ومَحاسيب، وقطعاناً أغنامية لبلوغ مآرب سياسية شخصية مرتبطة بِمآرب أبعد وأوسع وأحياناً خارج الوطن.
ولكن… صحيح؟ صحيح أن الناسَ في لبنان باقون مطايا لبعض هؤلاء السياسيين؟ صحيح أن بعض السياسيين سيظلُّون متربّعين على كراسٍ فوق أكتاف الناس، مطمئنّين الى أن أكتاف الناس ستبقى مطيَّة لهم ولن يسقطوا عنها؟
صحيح؟ ورغم الجنَائز والجنَّازات، والنعوش والمآتِم، والأضرحة وأكاليل القبور، واليتامى الباكين والأرامل المفجوعات والأمهات الثكالى، ستبقى أكتافُ الناس مطايا لبعض السياسيين؟
صحيح؟ لا. إن لم يكن من ثمن للشهداء والضحايا إلا إنزالُ الكراسي عن الأكتاف، فكافٍ ليكونَ الذين سقطوا لم يموتوا بلا ثمن.
في اللحظات الصعبة، في اللحظات القدَرية، في اللحظات المصيرية، تصبح أكتافُ الناس أعمدة لبناء الوطن لا مطايا لكراسي زعماء وقادة وسياسيين لم يعرفوا كيف يسوسون الوطن فآلوا به الى هاوية الانهيار وزعزعة الكيان.
وإننا باقون! أكتافُ شهدائنا الأبرياء أساساتٌ ركائز لتنهض عليها أكتافُ الأحياء منا، كي نُكمل المسيرة، في إيمانٍ أقوى وثقةٍ أكبر بلبنان الذي لن نستاهله حتى نطرد من هيكله الكَتَبَة والفرّيسيّين واليوضاسيين وجميعَ تُجار الهيكل وعملائِه وزبانيتِه.
ليس المهم أن يستاهلنا لبنان، بل الأهم أن نستاهل لبنان بـأن نكونَ أبناءه المخْلصين الأنقياء الأبرياء، ولكي يستاهلَنا يجب أن نستاهلَه. وليس المهم أن نعتزّ نحن بلبنان، بل الأهم أن يعتز لبنان بنا، مستاهلين نعمةَ أن نكون أبناء لبنان.
وما سوى بهذا الإيمان نستحقُّ أن نحمل هوية لبنان، ونستحقُّ أن نستظلَّ علم لبنان، ونستحقُّ أن نَحفظ لأولادِنا وأحفادِنا كيانَ لبنانَ اللبناني.