هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

629: ساعة لقياس التقدّم في العالم، ولبنان في زنزانة الانتظار

الحلقة 629: ساعة لقياس التقدُّم في العالم، ولبنان موقوف في زنزانة الانتظار
(الأربعاء 29 آب 2007)

جاءتني أمس بالبريد الإلكتروني رسالةٌ فيها رابط أحالني الى موقعٍ مذهل فعلاً: ساعةٌ عالَميةٌ شديدة الدقّة تقيس كلَّ ثانية ازدياد السكان في العالَم (فإذا هو مثلاً في اللحظة التي أكتب هذا التعليق: 6,617,333,973 نسمة)، وكلَّ ثانية ازدياد الولادات في العالَم، وكلَّ ثانية عدد الوفيات في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا حوادث السير في العالَم، وكلَّ ثانية عدد حالات الإجهاض في العالَم، وكلَّ ثانية ضحايا حوادث التسمم في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا الحريق في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا حوادث الانتحار في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا الاغتصاب في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا سوء التغذية في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا السيدا في العالَم، وكلَّ ثانية عدد ضحايا السرطان في العالَم، وكلَّ ثانية عدد السيارات المصنَّعة في العالَم، وكلَّ ثانية عدد أجهزة الكومبيوتر المصنَّعة في العالَم، الى آخر ما يحدث في العالم كلَّ ثانية، تشير إليها هذه الساعة المذهلة على شاشة الكومبيوتر أمامي، كأنني مطلٌّ على العالَم ومُجْرَياته كلَّ ثانية، وأنا في غرفتي أمام شاشة الكومبيوتر.
ومن الإتاحات في هذه الساعة، أن فيها إمكانَ أن أرى هذه التغيرات والتطورات المتسارعة في كلَّ العالَم، سواءٌ في هذه السنة 2007، أو في هذا الشهر آب 2007، أو في هذا الأُسبوع من الاثنين 27 آب الى السبت أول أيلول 2007، أو في هذا اليوم الأربعاء 29 آب، أو حتى في اللحظة التي أعاين فيها الساعة أمامي على الشاشة.
هذا الاختراع المذهل، عدا المتعة المذهلة معه في مراقبة تحركات العالم كلَّه في لمحة عين، وفي خيارات متعددة تختصر البحث ساعاتٍ طويلةً في الكتب والموسوعات والمجلات من أجل الحصول على إحصاء أو معلومة، الشاهد منه: المقارنة بين ما يجري في العالَم من تطوُّر متتالٍ متحرِّك متقدّم، بإزاء وطني الموقوف في زنزانة الانتظار.
جميع بلدان العالَم ورشة متطورة متحركة متتالية متقدمة، ووطني مصلوبٌ على جلجلة الانتظار.
جميع شعوب العالَم تشهد أوطانها تتطوّر، تتحرّك، تتتالى، تتقدّم، ووطني مُجمَّدٌ في مَحجر سياسة مَحلية مرتَهَنةٍ لسياسة إقليمية منتظِرة سياسةً دولية.
جميع الأوطان تتطلّع الى فوق، الى أمام، الى أبعد، وفي وطني يتطلع اللبناني الى أفق مسدود، لا فوق فوقه، ولا بُعد بعده، ولا فتحةَ أمامه، بسبب وضع سياسي متجمد أورثنا إياه سياسيون: واحدٌ منهم شخصاني، وواحدٌ أناني، وواحد عنيد، وواحد مصلحجي، وواحد مرتَهِن، الى آخر سلسلةٍ أحكمت القيد والطوق على وطني وشعبي حتى الاختناق.
الشاهد من الهزة التي أحدثتها بي هذه الساعةُ العالَمية، أن الأرقام فيها مُتحركة بسرعة مذهلة، مشيرةً الى الأعداد المتزايدة كلَّ ثانية، وفي وطني أعداد تتزايد لا في النمو، بل في تزايد الهجرة، وتزايد الضحايا، وتزايُد الهموم المتراكمة على شعبٍ لم يعد في قلبه مطرح للهموم، ومع ذلك، يأخذ السياسيون عندنا وقتهم للتشاور والتشاتم والتصايُح والعناد، والعالم يمشي يمشي ونحن واقفون في الصف ننتظر غودو الذي لن يأتي، وساعة وطننا متوقفة مكسورة الدقات، ووطننا موقوف قهراً وقمعاً وقسراً في زنزانة الانتظار.