هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

627: التفسير وتفسير التفسير في الخطاب السياسي اللبناني

الحلقة 627: التفسير وتفسير التفسير في الخطاب السياسي اللبناني
(الأربعاء 22 آب 2007)

أمام تلاطُم المواقف السياسية والتعابير السياسية والتشاتُمات السياسية يتبادلها السياسيون اللبنانيون من وسيلة إعلامية إلى أخرى، ومن منبر سياسي إلى آخر، ومن مؤتمر صحافي إلى آخر، ومن مهرجان سياسي إلى آخر، ومن ميكروفون ديني أو دنيوي إلى آخر، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام تصريح ناري يطلقه يوماً سياسي ثم يُطلق مكتبه الإعلامي في اليوم التالي تفسيراً لذاك التصريح على غير ما فهمه الناس من قائله، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام شتائم يطلقها سياسي ضدّ سياسي خصم، تواجهها شتائم من هذا الخصم ضد ذاك السياسي الآخر، وأمام تلاطم الشتائم الشخصية والعائلية والسياسية في نشرة إخبارية أو في “توك شو” على الهواء، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام حماسة زملاء إعلاميين في استفزاز هذا أو ذاك من السياسيين لاستدراجهم إلى قول مروَّس، أو رأي اتّهامي، أو تصريح مباشر أو تلميح غيرِ مباشر لتخرج الصحف في اليوم التالي ناقلة للمواطنين الأعزاء خلاصة آراء السياسيين السديدة الجديدة الحميدة في سبيل لبنانٍ يخيّطونه على قياسهم، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام شخصانية سياسيين يريدون لبنان على قياسهم، ويرسمون مستقبل لبنان على قياسهم، ويحوّرون في خطَبِهم ويناهضون خطب الآخرين ليظلّوا في تصاريحهم محافظين على نظرتهم الثابتة العنيدة المتجمدة كي يصلوا إلى كرسي في لبنان على قياسهم، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام تفسير خطابٍ مُغْرقٍ في الغموض، وتفسير التفسير لهذا الخطاب مغرِقٍ في الغموض أكثر وضياع الناس بين التفسير وتفسير التفسير، وبين الغموض والغموض الأكثر غموضاً، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام تلطّي بعض السياسيين في خطَبِهِم وتصاريحهم وراء لغة فصحى تأنف منها الفصحى ويهرب منها القاموس ويخجل منها تلامذة المرحلة الابتدائية لسخرية ما فيها من أخطاء لغوية بديهية يصرّ عليها السياسيون كي لا يتحدثوا مباشرة بالمحكية فيخاطبوا جماهيرهم بلغة القلب المباشرة، فإذا بهم كاريكاتور مضحك في لغتهم الفصحى المكسَّرة، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام الكلام السياسي المعلوك المكرر الخشبي التابوتي الجنائزي الميت حول الوفاق الوطني والوحدة الوطنية وإنقاذ لبنان، والوطن ينسحب منه خيرة أبنائه، والاقتصاد ينهار، والفقر يدنو من بقية الأبواب، واليأس مُرٌّ على شفاه الناس، والسياسيون متصلِّبون في مواقفهم ومتاريسهم وعنادهم غير سائلين عن الناس ومستقبل الوطن، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟
أمام كل ما يجري، يتساءل المواطن اللبناني العادي: “الى أين يأخذنا هؤلاء السياسيون”؟ وأخطر الأخطر أن يجيء يوم لا يعود فيه المواطن يتساءل، بل يحزم آخر حقيبة سفر، ويُغلق باب بيته، ويرمي المفتاح في أقرب… مستوعِب للنفايات.