هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

625: حتى يظلّ لبنان حاجة وضرورة

الحلقة 625: حتى يظلَّ لبنان حاجة وضرورة
(الأربعاء 15 آب 2007)

عُدتُ من رحلتَيَّ (الى عمان وجرش في الأردن والى أصيلة وطنجة في المغرب)، ممتلئاً بِما سمعتُه مِمَّن حولي عن لبنان وتعلُّقِهم به وقلقِهم عليه وحرصِهم على وجوده وتركيزِهم على أهَمِّيَّته في دورِه ورسالتِه وحضورِه في ذاته وفي المنطقة.
وبوصولي إلى بيروت طالعتني مواقف أُخرى مَحلية وعربية تؤكِّد وتشدِّد وتردِّد الموضوع نفسَه عن ضرورة المحافظة على لبنان بأيَّة وسيلة قبل خراب البيت.
فرئيس مجلس النواب قال للزميلة وردة في “صالون السبت” إنه عاتبٌ على دول عربيةٍ معينة لم تنهض إلى مبادرة فعالة لمساعدة لبنان، وإنّ الأمين العام للجامعة العربية يمتلك إمكانات ضئيلة لهامش التحرك، رغم منصبه المفترض أن يكون ممثلاً فعلياً وفاعلاً وفعالاً للدول العربية.
والرئيس التونسي زين العابدين بن علي صرّح لنقيب المحررين في تونس أن لبنان دولة محورية وعلينا جميعاً أن نعمل على إنقاذها مما به تتخبط.
والسفير المصري، بعد جولة وداعية على سياسيين لبنانيين لمناسبة انتهاء ولايته الدبلوماسية في لبنان، قرأنا له في صحف أمس الثلثاء تصريحاً واضح المدلول بأن “الوضع في لبنان لبناني مئة في المئة، والحل ينبع من داخل لبنان. ومقولةُ أن الحل يوضع في الخارج ويفرض في الداخل، مرفوضٌ من مصر ومن الشعب اللبناني الأبي صاحب الكرامة”.
هذا الكلام الذي سمعتُه في المغرب والأردن ولدى عودتي إلى بيروت، عن أهمية لبنان وضرورة المحافظة عليه بأية وسيلة، يزيد القلب اعتزازاً وغصةً في آن: اعتزازاً بأهمية هذا الوطنِ الضئيلِ المساحة العظيمِ الدور والرسالة، وغصَّةً على بعضٍ من “بيت بو سياسة” لا يزالون يعمَلون ويتعاملون ويعاملون ويعمِّلُون، ويخطبون ويخاطبون ويختطبون، بكل فردية وانفرادية، وشخصية وشخصانية، وفعلية وانفعالية، وتوترية وموتورية، على قاعدةٍ أنانية هي إحدى ظاهرتين كلتاهما مرضية: إما عنادية كيدية تجاه مواقفهم وأزلامهم في الداخل، وإما استزلامية ارتهانية تجاه أسيادهم في الخارج، وفي الحالتين هي قاعدة خيانية مبنية لا على الرهان من أجل لبنان بل الارتهان على حساب لبنان.
هذا اللبنان الذي يراه الخارج حاجة وضرورة لشعبه ولمحيطه وللمنطقة، ونموذجاً عالمياً دولياً تسعى إلى مثله الأمم المتحدة بوجود وطن يجمع تحت سقفه شعباً واحداً ذا عائلات روحية متعددة، لا يزال البعض من سياسييه، وأتباعهم من أبنائه، لا يعون أنه حاجة فريدة وضرورة وحيدة في الشرق للإبقاء على صيغةٍ حضارية تطمح إليها دول تتوق أن تبلغ على أرضها صيغةً هي في لبنان من صميم تركيبة لبنان.
لا يعون، لعَمَاهُم أو لتعاميهم، وفي الحالتين (وكما قلتُها مراراً في هذا البرنامج من “صوت لبنان”، وكما كتبتُها قبل أسابيع في مقالي الأسبوعي “أزرار” في جريدة “النهار”) سيستيقظون ذات يوم على ما وعاه آخرُ ملوك بني الأحمر في الأندلس الأمير عبدالله الصغير الذي داهمته أمه يبكي ضياع بلاده الأندلس، فانتهرته قائلةً:
“إبكِ مثل النساءِ مُلْكاً فقيداً لم تحافظ عليه مثلَ الرجالِ”.