هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

623: بيروت بالعيون الأفريقية

الحلقة 623: بيروت بالعيون الأفريقية
(الأربعاء 8 آب 2007)

لم أكُن أعرف، بعد الذين التقيتُهم هنا في أصيلة (كما ورد في حلقة الأحد الماضي) وحدّثوني عن بيروت ولبنان، أنّ الفنانين المغاربة والأفارقة يرنُون أيضاً إلى بيروت بذينك الشوق والحنين، وانتظارِ تجاوُزِها ما تَمرُّ به من وضع سياسي مأزوم.
الرسّام المغربي مُعاذ الجِباري قال لي: “علامة بيروت أنها في حركة تطوُّرية مستمرة، لا بُطْءَ فيها ولا ركود. إنها بالنسبة إلينا باريس الشرق، ومن لا يعرض في باريس يعرض في بيروت ويروي غليلَه. وتمازُج الأديان في لبنان يعطيه غنىً قلّما نَجده في بلد آخر. إن لبنان بلد شرقي لم يُدِرْ ظهره للغرب. حلمي أن أعرِض في بيروت”.
الممثلة المغربية خُلود البُطَيْوِي (مديرة مهرجان العود في تطوان) قالت لي: “أعجوبة بيروت أنها تستمر بالنبض خلال الحرب، وتعود إلى نبضها الحيوي الرائد فور تهدأ تردُّدات الحرب. فرادة اللبنانيين أنهم يعرفون كيف يستغلون المكان، أيَّ مكان، ليُقيموا فيه مسرحاً أو مطعماً أو حيِّزاً عملياً، فلا يضيع لديهم مكان ولا يعْوزُهم لاستثماره زمان. من لا شيء، يصنع اللبنانيون الكثير، ويلفتون بفرادة ما يعملون”.
الرسام والحفار مارتيل ماتالي، من غانا، قال لي: “اللبنانيون شعبٌ قوي صَلبٌ لا يلين ولا تقهره الصعاب. نحن في غانا نتحدث عنه هكذا حين نشاهد الأخبار وما يجري عندكم. اللبناني مبادرٌ عنيد، وهو أطيبُ من سياسيين لديه يُورِثُونَه الفساد. لذا، لا يعطى اللبناني حريةَ الحركة حتى يعودَ فينشبَ جباراً يُـبادر من جديد. نحن معجبون جداً بشعبكم، وعندنا في غانا جاليةٌ لبنانية كبيرة ساهمت فعلياً وعملياً في نهضة غانا، واللبنانيون عندنا صورةٌ عن اللبنانيين المبادرين الذين لا تلزمهم إلا فسحةُ حرية واستقرار حتى يطيروا إلى فضاءات عالية”.
الرسامة المغربية أحلام المسَفِّر زارت بيروت سنة 2003 لِمعرض جماعي في قصر الأونسكو وتجوّلت في وسط بيروت. قالت لي: “لم أصدّق أن الخراب الذي كنا نشاهده عندنا على الشاشة تحوّل على الأرض جنة صغيرة بهذا الجمال، وخصوصاً بهذه الأناقة التي تشبه شعب لبنان الذي لفتتني أناقته في كل شيء. لاحظتُ أن اللبنانيين متحابُّون على مستوى الشعب، لكنّ السياسيين يفرّقون بينهم بإيديولوجيات صغيرة مضطربة وغالباً شخصانية ومؤْذية. لذا أَعجب كيف يختلف اللبنانيون في ما بينهم، ويفقدون فرادتَهم من أجل رَجُل سياسة أو تيار سياسي، أو من أجل انحياز طائفي”.
الرسامة الأفريقية إدويج أپلوچان من بينان، شدّدت على الأرتيزانا اللبنانية التي تدلّ على دقةٍ ورهافةٍ وذوقٍ في أهل لبنان المنتشرين في جميع أصقاع الدنيا، والجالية اللبنانية عندهم في بينان ناشطةٌ دينامية تلفت إليها البينانيين الذين لا يجدون هذه الحيوية في الجوالي الأجنبية الأخرى.
أيضاً وأيضاً يكبُر قلبي وأنا أصغي إلى البَعيدين يتحدَّثون هكذا عن بيروت وعن لبنان، بينما القريـبُون والداخليون تائهون ضائعون بين متاريس السياسيين الكلامية وقصْفهم المتبادل، وأظلُّ أحار كيف أجيب مَن يسألونني هنا: “لماذا تتركون السياسيين يتحكَّمون إلى هذا الحدّ بدينامية شعبكم من أجل شخصانيّتهم وكراسيهم وعنادهم وتوتُّرهم الذي ينعكس توتراً في صفوف الناس الطيبين”؟
كنتم معي في أصيلة من المغرب. إليكم بيروت.