هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

594: وطنٌ نهائي فقط لِمن يستاهلون!

الحلقة 594: وطنٌ نِهائيٌّ فقط لِمن يستاهلون!
(الأحد 29 نيسان 2007)

منذ بضعة آحاد أُتابع استفتاء وردة ورداتنا في برنامجها الصباحي “المجالس بالأمانات” وتَهُزُّني، كما تَهُزُّ الكثيرين مثلي، صرخةُ الناس بصوت واحد: “بدنا نعيش” رافضين السياسيين وطروحاتهم وتصاريحهم وتصريحهم وتلميحهم وعنترياتهم وتناهشَهم السلطة وتناتُشَهم الوطن، والوطن يفرغ من خيرة أبنائه.
14 آذار أم 8 آذار؟ والوطن يفرغ من أبنائه.
17/13 أم 19/11 أم 19/10/1؟ والوطن يفرغ من أبنائه.
محكمة دولية أم محكمة ذات طابع دولي أم لا محكمة؟ والفقر يزداد وتزداد مؤسسات تقفل وتصرف موظفيها وعمالها.
تصريح من هذا يقابله تصريحٌ مضادٌّ من ذاك، والوطن ينْزف دماً ودموعاً وأمهاتٍ مودِّعاتٍ أبناءَهنّ وآباءَ يلفُّهم صمت القهر.
يأْسٌ وقرفٌ وغضبٌ في صفوف الشعب، وأولئك المالكُون سعيداً في مقاعدهم السياسية يزدادون تشنُّجاً وعنتريات.
من قال لهؤلاء إن الوطن مزرعةٌ في تصرفهم؟ من قال لهم إن الناس قطعان في رعايتهم؟ من قال لهؤلاء إن جميع المواطنين أغنامٌ منقادون وراء أصنام؟ من قال لهم إن لبنان مطوَّبٌ باسمهم كي يرموا بمصيره إلى المسلخ؟ من قال لهم إن لبنان الوطن والشعب منبر لعنترياتهم ودونكيشوتياتهم وفواتير يسدِّدونها لأسيادهم في الخارج؟ من قال لهم إن الناس جميعَهم أزلام عندهم يديرونهم بالريموت كونترول الكلامي أو السياسي أو السلاحي أو التظاهري؟
“لبنان وطن نهائي لجميع اللبنانيين”؟ وهل كنا في حاجة إلى هذا التأكيد البديهي كي يطمئنّ المواطنون إلى أن لبنان ليس فندقاً مؤقَّتاً يسكنونه، ولا أرضاً بالإيجار يعيشون عليها؟ وهل يُسألُ فرنسيٌّ إن كانت فرنسا وطنَه النهائي؟ أو ألماني أو ياباني أو صيني إن كانت بلادُه وطنَه النهائي؟ وهل وُضِعت هذه العبارة في “ميثاق الطائف” لو لم يكن بين المجتمعين من لم يكونوا يؤمنون بأن لبنان هو وطن اللبنانيين النهائي، بل جزءٌ من بلادٍ أخرى أو بقعةٌ في أرض أوسع؟
تكبَر صرخة الناس. تقوى. تزداد ثورةً ورفضاً وغضباً. ومش صحيح أن جميع اللبنانيين قطعانُ أغنامٍ في تصرُّف السياسيين، أو حبوبٌ بلهاءُ في مسبحة السياسيين، أو حطبٌ صاغرٌ في مواقد السياسيين.
الشعب اللبناني صفعه انفضاحُ السياسيين في هذه الأزمة، وبات عارفاً تماماً من هو رجلُ الدولة الذي يعمل لبناء الدولة، ومن هو رجلُ السياسة الذي يعمل لبناء مصالحه أو ينفّذ أوامر أسياده الذين لا يريدون للبنان أن تكون فيه دولة.
إنّ بين اللبنانيين اليومَ لبنانيين يرفضون بغضب شديد. وسوف يكون انتقامهم القاسي قريباً في صندوقة الاقتراع، وقريباً في رفض الانصياع لدعوات التظاهر والتهييص والتعييش وحمل الكراسي على أكتافهم كي يجلس عليها السياسيون.
بلى: قريباً يتّضح أن لبنان حقاً وطن نهائيٌّ، إنّما… فقط: للمخْلصين الذين يستاهلون أن يكونوا أبناء لبنان.