هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

593: دروسٌ أقلّ… سلوك أكثر

593: دروسٌ أقلّ… سلوكٌ أكثر
(الأحد 22 نيسان 2007)

كتبنا كثيراً ونردد كثيراً أنّ الجيل المقبل نبدأ منذ اليوم بتهيئته عبر تَهيئة أمهات الغد وآباء المستقبل، قاصدين بذلك أولادنا اليوم، صبياناً وبناتٍ، كي يكونوا غداًَ أمّهاتٍ وآباء. وغالباً ما يبقى كلامُنا، مكتوباً أو شفوياً، تنظيراً بدون آلية تطبيق.
والحال أن التطبيق عاجل وضروريٌّ منذ نهار اليوم قبل صباح الغد. كيف؟ وأين؟ جُزئياً في البيت، لأن أولادَنا معظمُ أوقاتهم في المدرسة أكثر من البيت، وكلياً في المدرسة حيث المساحةُ الأكبر من الوقت ينغمس خلالها التلامذةُ في الجو الجَماعي المدرسي والاجتماعي معاً، فيكون التلقّي الجَماعي في المدرسة أعمق فعلاً وتأثيراً من الجو الفردي في البيت.
وتفصيلاً: ماذا ينفع تلامذتَنا، غداً في المجتمع، إن كانوا عباقرةً في الفيزياء والجغرافيا والرياضيات والأدب، وجهلةً في السلوك الاجتماعي الجماعي أو المهارات الصحية الفردية؟ ماذا ينفع أن يعرفوا طول هذا النهر في ألمانيا أو ارتفاع ذاك الجبل في فرنسا أو حلّ عملية فيزياء على الورق، وهم يرمون الورقة في الطريق، أو يقاطعون الكبار حين يتكلمون، أو لا يسبقون الكبار على التحية، أو يجلسون بين الكبار وهم يقضمون أظافرهم، أو لا يعرفون خطر ألاّ ينظفوا أسنانهم بعد كل وجبة طعام، أو يجهلون مبادئَ الجلوس إلى المائدة أو الوقوف احتراماً… إلى سائر مبادئ اجتماعية سلوكية على تلامذتنا اكتسابُها، ليست أهَمّ ولكن بأهمية اكتسابهم دروسَهم الأكاديمية ومعلوماتهم المعرفية المدرسية.
ومتى نشأ أولادنا وتلامذتُنا اليوم على مبادئ السلوك الاجتماعي الصحيح والمهارات الصحية السليمة من نظافة وترتيب وتنظيم، لا بُدَّ أن ينشئوا غداً أولادَهم على هذه المبادئ نفسها، وتلك المهارات عينها، فنكون بذلك هيّأنا للبنان الآتي جيلاً منظّم العقل، نظيفَ السلوك، سليمَ التصرُّف، يسير بالوطن إلى المواطنية السليمة والصحيحة والضرورية عبر مراتبَ بعيدةٍ عن الفوضى وعن الانتماءات الحزبية والسياسية العمياء، وعن القطعانية الاستزلامية التي تقتل في المواطن كل حضور وتجعله رأساً في قطيع يقوده زعيمه السياسي إلى مسلخ الانتحار المُواطني.
يا أولياء المدارس في لبنان، ويا واضعي البرامج ويا منسقي الدروس: ألاَ ساعةً أقل في الأُسبوع من المنهاج الرسمي، واستعيضوا عنها بساعة سلوكيات مدنية وصحية واجتماعية تُخرّج أولادنا سليمي التصرّف في المجتمع. وإذا نقص الأُسبوع ساعة رياضيات من أصل ثمان، أو ساعة فيزياء أو جغرافيا أو أدب من أصل خمس أو ست أو سبع ساعات في الأُسبوع، فسوف تكون الاستعاضةُ بساعة السلوك أساسيةً جداً كي نُهيِّئَ للوطن جيلاً يعرف، ويعرف أنه يعرف، ويعرف كيف يعرف، وهذه هي المعرفة التي تؤدي إلى مواطنية يَحتاجها كثيراً لبنان، بقدر احتياجه إلى حملة شهادات تجعل أبناءنا متعلّمين غير مثقّفين، ومعرفة الـ”ماذا” والـ”كيف” هي هي في أساس كل ثقافة.