هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

581: جرثومة السياسة في المدارس

الحلقة 581: جرثومة السياسة في المدارس
(الأحد 11 آذار 2007)

أزور سنوياً عدداً من المدارس الثانوية، تدعوني إلى لقاء تلامذتها للحديث عن مواضيع ثقافية وأدبية ووطنية مختلفة، بحسب المناسبات أو أفكار يطرحها عليّ المسؤولون أو الأساتذة. ويسعدني هذا الأمر لأنني أحب أن ألتقي الأجيال الجديدة وأتواصل معها فأُصغي إليها والى ما يدور في بالها، وأعطيها مما أجده صالحاً لبعض توجيه.
هذا الأسبوع، كانت لي زيارة إلى معهد ثانوي راقٍ في بيروت، جمعتني إدارته إلى سبعة صفوف ثانوية وتكميلية للتحدث مع التلامذة عن موضوع المواطنية. وفي مسرح المعهد، اكتظّ التلامذة يصغون إلى ما أقوله عن المواطنية وعلاقة المواطن بالدولة، وعلاقة المواطن بالوطن، وعلاقة المواطن بالمواطن، من أجل بناء بلد متصالح بعيدٍ عن المشاحنات السياسية التي تعتريه.
ومررتُ في حديث سريع على تنبيه التلامذة إلى عدم الانجراف في أحاديث السياسة، وعدم الانجرار إلى مضيعة وقتهم النهاري أو المسائي في مشاهدة الأخبار التلفزيونية وبرامج التوك شو السياسية التي أولاً تتخطى قدرتهم على متابعتها وملاحقة آراء ضيوفها، وثانياً، وهو الأهم، تأخذ من وقت درسهم وتحصيلهم العلمي الذي، حين يتخطّى الواجبات المدرسية، فليتّسع إلى التثقُّف والقراءة وسماع الموسيقى والبحث عن قنوات تلفزيونية تبثُّ برامج علميةً أو ثقافية أو سياحية أو تاريخية عامة.
وبعد حديثي نحو نصف ساعة عن المواطن والمواطنية والمواطنة، فتحت للتلامذة مجال الأسئلة والنقاش، لأفاجأ بسيل من الأسئلة لا علاقة لواحد منها فقط بموضوع لقائي معهم، بل انصبّت الأسئلة جميعُها، جميعها بدون استثناء، على السياسة والسياسيين وتحيُّز التلامذة لهذا أو ذاك من بيت بو سياسة، وتحزُّب التلامذة لهذا أو ذاك من التيارات السياسية، وركّز معظم التلامذة على أن متابعة الأخبار وبرامج التوك شو السياسية أهم اليوم من الدرس والتحصيل العلمي كي يفهموا، قال، إلى أين يسير البلد.
مرعب هذا الذي سمعته هذا الأسبوع في ذاك المعهد البيروتي. وحين كنتُ أسأل تلميذاً عن السياسي الذي يتحزب له، ماذا يعرف عنه وعن طروحاته السياسية، لم يكن يجيب، معتبراً أن أهله في البيت يعرفون، وهو يتبع ما يقوله أهله في البيت.
ورأيت طبعاً بين التلامذة من يحملون شعارات معينة، أو يرتدون ألواناً معينة، لأن السياسيين عندنا من غير شر صادروا حتى الألوان، ما يدل على أننا نشهد جيلاً جديداً في لبنان مسيّساً بغباء، موجَّهاً بجهل، متجهاً بببغاوية أغنامية عمياء نحو اصطفافات سياسية آنية زبدية عابرة زائلة لكنها راسخة جرثومة في أبنائنا وتكبر الجرثومة وتنخر تفكيرهم وتوجههم وتحوّلهم عن دروسهم وتحصيلهم العلمي إلى فئويات قاتلة إن لم يتداركها الأهل والمسؤولون في المدارس، فنحن مقبلون على مشروع فتنة في لبنان أركانها تلامذة ينشرح بهم السياسيون لمعرفة أن لهم قطعاناً في المدارس، لكن هذه القطعان الأغنامية اليوم سوف تتحول غداً ثيراناً تتقاتل ذات يوم في ساحة الوطن، وعندها لن يستطيعَ إيقافها حتى المعنيون من المستغلين السياسيين.