هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

580: أبعِدوا تلامذة المدارس عن السياسة

الحلقة 580 : أبعِدوا تلامذة المدارس عن السياسة
(الأربعاء 7 آذار 2007)

سمعتُ مساءَ أمس عن حادثة هي من أخطر ما تكون أفرزته الحالة الراهنة في لبنان من سُموم وترددات وانعكاسات قاتلة على أولادنا في المدارس. سمعتُ عن معلمة في مدرسة للبنات كانت تشرح الدرس في الصف لتلميذات الصف الابتدائي الرابع، ووردت على لسانها عفوياً، وضمن السياق الطبيعي، كلمةٌ تذكّر بأحد السياسيين اللبنانيين، فبدرت من فتاةٍ أمامها حركةٌ سلبية تجاه هذا الاسم، وإذا بفتاة أخرى في آخر الصف تعترض على حركة رفيقتها، ودخلت الفتاتان في شجار كاد يؤدّي إلى احتدام في صف هؤلاء الفتيات الصغيرات لولا تدخُّلُ المعلمة في حزم لحسم هذا الجدل السطحي.
صحيح أن الأمر حُسِم، لكنه مؤشِّرٌ خطير على السموم القابعة داخل أعماق أولادنا في المدارس، ناقلينها من أجواء البيت المشحونة بالغضب ضد، أو بالحماسة مع، وفي الحالتين، إذا كان الأهالي عارفين ماذا يقولون ولماذا يقولون ماذا، فالأكيد أن أولادهم الصغار يتشرَّبون غضبهم أو حماستهم ببغاوياً أغنامياً، من دون أن يفهموا ماذا ولماذا، وتنتشر هذه الظاهرة بقعة زيت تشعلها شرارة، من كلمة في صف، إلى حلقة في حوش مدرسة، وقد تتطوَّر أكثر، ولنا في حادثة إحدى الجامعات نهار 25 كانون الثاني الماضي مثالٌ خطيرٌ على جمر متأجج تحت الرماد.
هذا الأمر، ضروريةٌ معالجتُه الفورية على مستويين: الأول في المدرسة بمنع أي كلام في السياسة من أيٍّ كان ولأي سبب كان وضمن أيِّ ظرفٍ كان، والمستوى الآخَر، وهو الأهم، في البيت ليكون ضرورياً جداً إبعادُ الأولاد عن نشرات الأخبار وعن برامج الـ”توك شو” السياسية، وخصوصاً الامتناع عن الكلام في السياسة أمام أولادهم، كي لا تنتقل أحاديثُهم، صحيحةً أم مشوّهة، إلى الأولاد الذين يتناولون الأفكار ويستخدمونها لشجار أو حوار في الصف أو ملعب المدرسة.
فليسعَ الأهل إلى إبعاد أولادهم عن السياسة، لأن من يختلف الأهل حولهم من السياسيين اليوم، قد يتفقون في ما بينهم غداً، فيَسقط الأهل في نُفايات السياسيين، ومن يتّفق الأهل حولهم من السياسيين اليوم قد يختلفون سياسياً غداً في ما بينهم فينجرّ الأهل ببغاوياً أغنامياً إلى خلاف مع جيرانهم أو أنسبائهم أو أصدقائهم وتكون هذه السموم انتقلت إلى أولادهم وأخذتهم عن التركيز في الصف على تحصيل العلم وهو الأبقى والأرقى والأنقى من أية سياسة وأيّ سياسي أياً يكن هذا السياسي.
الأهل ومسؤولو المدارس فليُبْعِدوا الأولاد عن أيّ جو سياسي، عن أيّ زعيم سياسي، عن أيّ شعارٍ أو لون أو رمز يذكِّر بسياسي، لأن كل حديث سياسي يظل عابراً كزبد عابر، ووحده تحصيل العلم يحصِّن أولادنا من الزلل، وليس ما يُفسِد أجيالَ لبنان الجديدة مثلُ انجرارهم وراء نزاعات سياسية، أصلاً هي وأصحابُها من عابر الكلام.