هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

574: فليكن ضريحه مذوداً للبنان

الحلقة 574: فليكن ضريحه مذوداً للبنان
(الأربعاء 14 شباط 2007)

الذي يرقد، منذ 14 شباط قبل سنتين تماماً، في ضريح كوكب حوله كل لبنان ومعظم العالم في وقفة إجلال وتهيُّب،
الذي أثار حوله في حياته صخباً بين مؤيد ومناهض لكن احترامه كان فوق المؤيدين والمعارضين لأنه نقل لبنان من مشهد الدمار إلى مشهد العمار،
الذي أطلق استشهادُه صدمةً في القلوب فهرعت إلى الضريح والتقى عند الانحناءة أمامه كاهنٌ بجبته وشيخ بعمامته، والتقت عند الانحناءة سيدةٌ ذاتُ حجاب وراهبة ذات سبحة،
الذي توحدت عند ضريحه المناطق اللبنانية بجميع عائلاتها الروحية وجميع مراوحها السياسية والعقائدية والمذهبية والطائفية والإيديولوجية والفئوية والتناقضية،
الذي استقطب إلى ضريحه كبار العالم زعماء ورؤساء وقادةً ومسؤولين كان معظمهم يتوجَّه من المطار إلى الضريح قبل أن يقوم بجولته أو زياراته،
الذي جمع حول استشهاده المعارضين قبل الموالين، وحوّل ساحة البرج إلى ساحة أبراج الحرية، فَتَمَلْيَنَ اللبنانيون في أضخم حشد عرفه تاريخ لبنان وانخلعت أبوابُ الوصاية وانفتحت أبواب الباستيل اللبناني على الحرية والاستقلال وقرار لبنان اللبناني،
الذي أحيا غيابه حضور القرار اللبناني، وأطلق استشهاده ولادة الوعي العام على صرخة “لبنان أولاً” أطلقها من لم يكونوا يؤمنون بها فآمنوا بها وأطلقوها بعدما شعروا بأن استشهاداً بهذا الحجم لا يمكن بعده إطلاق صرخات الانتماء المستعار،
الذي وحّد اللبنانيين حول لبنان وجعلهم كلَّهم أمّ الصبي فخافوا عليه واحتضنوه وحموه من الخارج، كل خارج،
الذي سقوطه شهيداً زلزل محافل العالم السياسية والدبلوماسية فارتفع لبنان على منابر العالم حرياً بإنهاء جلجلة آلامه،
الذي باستشهاده حقَّق كل هذا وغيره الكثير، أيُعقَلُ أن تأتي ذكرى استشهاده الثانيةُ اليوم، ولا يكون الالتفاف ازداد حول قرار لبنان اللبنانيّ المستقلّ عن كل وصاية والمحترم كلّ رعاية تنقذه من براثن الغول؟
الساحة التي تَمَلْيَنَتْ حول ضريحه، أيعقل أن تكون اليوم ساحتين، والمليونُ الواحدُ الموحدُ شراذمَ مليونيةً مشتتةً متفرقةً لأن إرادة الخارج تُملي على الداخل أن يتفتّت أشلاء بعدما كان الداخل حزمةً واحدة من الـ”لا” في وجه كل تدخّل؟
والذين تَجمَّعوا في 14 شباط 2005 كي يصرخوا للبنان الواحد تحت علم واحد وعند هتفة واحدة، أيُعقَل أن يتجمعوا اليوم في 14 شباط 2007 فرقاء متضادّين متواجهين تحت أعلام مختلفة وهتفات متعددة ولبنانات متشرذمة بقيادات متشرذمة وزعامات متباعدة لا يجمع بينها إلاّ العناد السياسي واختلاف الانتماء الإيديولوجي وتفاوت النبرات العنترية الهتلرية الشخصانية على المنابر وفي التصاريح والتصاريح المضادة والتهم والتهم المضادة؟
الذي صحّى لبنان من فواجع الدمار إلى روائع العمار، في ذكراه الثانية اليوم لا تليق إلا وقفة واحدة وحيدة موحدة يقفها المتجمهرون في قلب بيروت ويصرخون: “يا سياسيينا، أسلسنا لكم القيادة ففرّقتمونا. صدّقناكم فخنتمونا. انتظرنا منكم الولادة فقبرتُمونا. نحن سنتخلى عنكم جميعاً، ونعنو هنا على هذا الضريح الذي وحَّد كل لبنان، لعلّه يتحوّل مذوداً يولد فيه لبنان فتقودُ نجمة المشرق زعماءَ العالم إلى هذا الضريح المذود ولِد فيه لبنان رسالةَ سلامٍ حضاريةً إلى كل العالم”.