هنري زغيب
Follow us on Facebook
Follow us on YouTube

573: قبل أن تتوقّف الأبواب الدوارة

الحلقة 573: قبل أن تتوقَّف الأبواب الدوارة
(الأحد 11 شباط 2007)

بعد لحظات من بثّ حلقة “نقطة على الحرف” (الأربعاء الماضي) حول تشبيه الوضع السياسي الحالي في لبنان بمستعملي الأبواب الدوارة للدخول إلى البهو أو الخروج إلى الشارع، انقطع التيار الكهربائي في مكتبي. وعلى غير عادة المولّد الذي يستبدّ بي وبأمثالي صاحبُه المقاطعجي، بقي المولد صامتاً بلا حراك نحو ساعتين اكتشفنا بعدهما أنّ عطلاً طرأ عليه فلم يدُر، وتعطّلنا ساعتين عن القيام بما كنا في حاجة إلى كهرباء للقيام به.
الموضوع ليس هنا، فهو بات معلوكاً حتى مجّ ذكرَه الناس قرفاً ولعنةً وغضباً. الموضوع أن فكرة الأبواب الدوارة عادت إليّ فور انتهاء الحلقة وانقطاع التيار الكهربائي، ففكّرت: “ماذا لو انقطع التيار الكهربائي بمستعملي الباب الدوار على مدخل فندق، ولم يدُر المولد بسبب عطل طارئ فيه، وتوقَّف الباب في نقطة وسطى بين باب الدخول وباب الخروج، وانحشر الناس داخل أقسام الباب لا يمكنهم رجوعاً الخروجُ إلى الشارع ولا يمكنهم تقدُّماً الدخول إلى بهو الفندق”؟.
ومن الباب الدوار، إسقاطاً على الوضع السياسي الذي يتخبط به اليوم لبنان (طالما شبهنا سياسيينا الأشاوس بمستعملي الباب الدوار لا يلتقون أبداً لأن الباب يدور وهم يدورون فيه ولا يتقاطعون بين قسم من الباب وآخر كي يلتقوا، ويستمرون يدورون داخل الباب والباب يدور يدور)، ماذا لو انقطع تيار الحوار نهائياً بين ركاب هذا الباب الدوار وتوقف الباب عن الدوران وبقي كل فريق سياسي في قسم متوقف من الباب المتوقف، لا حوار بينهم، ولا يمكن أن يمد أحد منهم يده لمصافحة الآخر بسبب الفاصل الزجاجي للباب الدوار، ولا يمكن أن يسمع أحدٌ في قسمه المتوقف صوتَ الآخر في القسم الآخر المتوقف إلاّ بالصياح الصاخب (الحبيب طبعاً إلى سياسيينا الأشاوس لأنهم اعتادوه على الشاشات أمام كاميرات الأخبار وبرامج التوك شو، واعتادوه على المنابر المتاريس يتراشقون بالصوت العالي واللغة التخاطبية الواطئة).
“ماذا لو”، أقول؟ وهل الوضع السياسي اليوم أفضل من هذه الـ”ماذا لو”؟ أليس هو إثباتاً ميدانياً لهذه الـ”ماذا لو”؟ أليس الباب السياسي اللبناني الدوّار متوقفاً حالياً، والجميع محشورون فيه، حكومةً ومعارضةً، محاصِرين ومحاصَرين، معتصَمين ومعتصِمين، والتيار الحواري الكهربائي مقطوع، والتوليد الخارجي مقطوع لأن الموفدين يكادون يكفرون بمهمات مكوكية عقيمة يُرسَلون إليها ويعودون منها بتشاؤمٍ أكثر فيخرجون من باب الباب مكفهري الوجوه بسبب انحشار أهل البيت في بابهم الدوار والباب متوقف لأن أهل البيت متوقفون على التصميم على إنقاذ البيت وأهل البيت؟
في الحلقة الماضية قلت: “يا ويلَ وطن يصيبه الدوار من دوران سياسييه في باب دوار لا يلتقي من في أقسامه التي تدور بلا توقُّف إذ الباب يدور بلا توقف”. واليوم أقول ما هو أخطرُ وأشدُّ خطراً وهلعاً. اليوم أقول: “يا ويل وطن ينحشر سياسيوه في باب دوار، وينقطع التيار الكهربائي طويلاً فيتوقف الباب الدوار عن الدوران، ويتوقف مَن فيه عن الدوران، ويطول التوقُّف، كما كل شيء في لبنان اليوم متوقف، حتى يصدر عن سلطة عليا في الخارج قرارٌ بفك هذا الباب المتوقف، وحمله بما فيه ومن فيه إلى حيث مصير الأشياء التي لم تعد تنفع ولم يعد أحد بحاجة إليها.